مقام المراقبة وهو مقام شريف قال الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} هذا المقام أصله علم وحال ثم يثمر حالين: أما العلم: فهو معرفة العبد أن الله مطلع عليه، ناظر إليه يرى جميع أعماله. ويعلم كل ما يخطر على باله. وأما الحال فهو ملازمة هذا العلم للقلب بحيث يغلب عليه، ولا يغفل عنه، ولا يكفي العلم دون هذا الحال، فإذا حصل العلم والحال كانت ثمرتهما عند أصحاب اليمين: الحياء من الله، وهو يوجب بالضرورة ترك المهاصي، والجد في الطاعات، وكانت ثمرتها عند المقربين: الشهادة التي توجب التعظيم والإجلال لذى الجلال، إلى هاتين الثمرتين أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:"الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"(١) فقوله أن تعبد الله كأنك تراه إشارة إلى الثمرة الثانية، وهي المراقبة الموجبة للتعظيم. كمن يشاهد ملكا عظيما فإنه يعظمه بالضرورة، وقوله فإن لم تكن تراه فإنه يراك إشارة إلى الثمرة الأولى، ومعناه إن لم تكن من أهل التقوى والعفاف بحيث تراقب الله في كل عمل هو لك، فاعلم أنه يراك، فكن من أهل الحياء الذي هو مقام أصحاب اليمين، فلما فسر الإحسان أول مرة بالمقام الأعلى: رأى أن كثيرا من الناس قد يعجزوان عليه، فنزل إلى المقام الآخر، واعلم أن المراقبة لا تستقيم حتى تتحقق فيها المشارطة والمرابطة، وتتأخر عنها المحاسبة والمعاقبة، فأما المشارطة فهي اشتراط العبد على نفسه بالتزام الطاعة وترك المعاصي، وأما المرابطة، فهي معاهدة العبد لربه على ذلك، ثم بعد المشارطة والمرابطة، أول الأمر تكون المراقبة إلى آخره، وبعد ذلك يحاسب العبد لنفسه على ما اشترطه وعاهد عليه، فإن وجد نفسه قد أوفى بما عاهد عليه الله حمد الله، وأن وجد نفسه قد حل عقد المشارطة، ونقض عهد المرابطة عاقب النفس عقابا يزجرها عن العودة إلى
(١) مسلم عن عمر- أحمد في مسنده والشيخان وابن ماجه عن أبي هريرة- صحيح-