مثل ذلك، ثم عاد إلى المشارطة والمرابطة، وحافظ على المراقبة، ثم اختبر بالمحاسبة، فهكذا يكون حتى يلقى الله تعالى ...
التوكل: هو الاعتماد على الله. قال تعالى:{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} التوكل على الله في تحصيل المنافع أو حفظها بعد حصولها، وفي دفع المضرات ورفعها بعد وقوعها، وهو من أعلى المقامات لوجهين: أحدهما قوله إن الله يحب المتوكلين، والآخر الضمان الذي في قوله: ومن يتوكل على الله فهو حسبه، وقد يكون واجبا لقوله تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فجعله شرطا في الإيمان، والظاهر قوله جل جلاله، وعلى الله فليتوكل المؤمنون، فإن الأمر محمول على الوجوب.
واعلم أن الناس في التوكل على ثلاث مراتب: الأولى أن يعتمد العبد على ربه، كاعتماد الإنسان على وكيله المأمون عنده الذي لا يشك في نصيحته له، وقيامه بمصالحه، والثانية: أن يكون العبد مع ربه كالطفل مع أمه، فإنه لا يعرف سواها، ولا يلجأ إلا إليها، والثالثة: أن يكون مع ربه، كالميت بين يدي الغاسل قد أسلم نفسه إليه بالكلية. فصاحب الدرجة الأولى له حظ من النظر لنفسه بخلاف صاحب الثانية، وصاحب الثانية له حظ من المراد والاختبار بخلاف صاحب الثالثة، وهذه الدرجات مبنية على التوحيد الخالص الذي في قوله عز وجل:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} الواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى: أحدها أنه لا ثاني له، فهو نفي للعدد، والآخر أنه لا شريك له، والثالث أنه لا يتبعض، ولا ينقسم، وقد فسر المراد به هنا في قوله: لا إله إلا هو ...
وأعلم أن توحيد الخلق لله تعالى على ثلاث درجات: الأولى توحيد عامة المسلمين، وهو الذي يعصم النفس من الهلاك في الدنيا، وينجي من الخلود في النار في الآخرة، وهو نفي الشركاء، والأنداد، والصاحبة والأولاد، والأشباه والأضداد، الدرجة الثانية توحيد الخاصة، وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله وحده، ويعلم يقينا أن الكون قائم بعلمه سائر بمشيئته واقع تحت رحمته ... وإنما مقام الخاص في التوحيد يغني القلب بعلم ضروري لا يحتاج إلى دليل، وثمرة هذا العلم الإنقطاع الى الله والتوكل