للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أسلوب القرآن في الدعوة إلى الله]

الرساله المحمدية هي خاتمة الرسالات السماوية، لقد انتهى الدور التلقيني بعد أن أشرف العقل بنفسه على دلائل كثيرة تشير إلى وجود الله.

فالله في واقع الحياة- في هذه المرحلة الأخيرة من رسالات السماء- ليس، ذاتا مجهولة أو منكرة في عقول الكثرة الغالبة من الناس، فقد كان لدعوات الرسل المتتابعة، ولمواقف الراشدين والعالمين من أتباعها آثار كبيرة في كشف الطريق إلى الله، والتعريف به، كما كان للزمن وتطور العقل الإنساني، نحو الكمال أثره القوي كذلك في هذا الأمر.

لقد جاء الإسلام والعرب يعرفون في لغتهم كلمة الله ويتعاملون بها في حياتهم على أنها قوة ممسكة بالوجود وقائمة على كل شيء، وأنها تعلم ما يخفي الناس وما يعلنون، يقول زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي واحد أصحاب المعلقات:

فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ... ليخفى ومهما يكتم الله يعلم

يؤخره فيوضع في كتاب فيذخر ... ليوم الحساب أو يعجل فينتقم

فقد كان العرب في جاهليتهم يعتقدون في الحياة بعد الموت، وفي الجزاء وفي الجنة والنار، يقول الشهرستاني عن عرب الجاهلية: (ومن العرب من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر، وينتظر النبوة، ومن هؤلاء زيد بن عمرو ابن نفيل كان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول "أيها الناس، هلموا إلي، فإنه لم يبق على دين إبراهيم أحد غيري"، ومنهم قس بن ساعدة الإيادي وكان يقول: "هو الله إله واحد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدى وإليه المآب غدا"، ومنهم عامر بن الظرب العدواني، وكان يقول: "إني ما رأيت شيئا قط خلق نفسه، ولا رأيت موضوعا إلا مصنوعا، ولا جائيا إلا ذاهبا، ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء").

فالرسالة المحمدية تواجه إنسانية فيها وعي، ولها إدراك، وعندها إستعداد للبحث عن الله، والتشوق إليه من خلال هذا الوجود الذي يعيش

<<  <   >  >>