للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[لا تتم مصالح إلا بمدافعة الأقدار]

ومدافعة الاقدار على ضربين: أولهما مدافعة أقدار قد أنعقدت أسبابها، ولا تقع بأقدار تدفعها وتحول دون وقوعها، كمدافعة عدو مغير بالإعداد له. ثانيها: مدافعة أقدار قد وقعت بأقدار تدفعها أما القعود عن مدافعة الأقدار مع القدرة عليها فهي من العجز الآثم الذي نهينا عنه والذي كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بالله منه، وكان يكثر أن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل" (١) ولقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" (٢) "إحرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو إني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" ومعنى هذا الحديث أن المؤمن القوي الذي يأخذ أموره بقوة وعزم وتبصر، أحب الى الله من المؤمن العاجز المتواكل. أما الخير الذي يشتركان فيه، فهو الإيمان، ولكن المؤمن القوي ممتاز عند الله لأنه نافع لنفسه ووطنه وأمته.

ثم يحض الرسول - صلى الله عليه وسلم - على النافع من الأمور مع الإستعانة بالله جل شأنه، والتوجه إليه، والإستعداد من فيض رحمته وفضله، فإن الإنسان لا يستغني عن قوة الله مهما بلغ من القوة والمعرفة، ولا عن توفيقه، وينهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن العجز، وهو القعود عن العمل مع القدرة عليه كسلا وتهاونا، فإذا خرج الأمر من يده أصبح في يد الأقدار التي لا يمكن دفعها فالحرص على ما ينفع هو مدافعة الأقدار بالأقدار، لا ينبغي أن يحول الإيمان بالقدر بيننا وبين إتخاذ الحيطة والنظر في أعقاب الأمور بالحزم والحرص على الخير والعمل على الظفر به، والفرار من الشر، والعمل على النجاة منه وقد علم الله سبحانه وتعالى ضعف الإنسان أمام قوة الغرائز، أو أثر البيئة، أو الوراثة وعلم سبحانه أنها قد تطغى عليه فتورطه في الإثم أو


(١) الحديث لأحمد في مسنده ومسلم والنسائي عن زيد بن أرقم- وهو صحيح-
(٢) رواه أحمد في مسنده. ومسلم وابن ماجه- عن أبي هريرة- حسن-

<<  <   >  >>