تعرضه لألوان من الفتون، فاقتضت رحمته أن يمحو بالتوبة النصوح أثر هذا الطغيان، وأمر بالتوبة ليمحو بها قدر المعصية التي دفع إليها قدر الغريزة، أو البيئة أو الوراثة ...
فمن دفع قدر التوبة قدر المعصية- كما يدفع قدر الدواء قدر المرض- فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن لج في عتوه ونفوره، فعلى نفسه جنى وإياها أوبق، وما ربك بظلام للعبيد ..
قدر الله سبحانه أن الجد سبب الظفر في الدنيا، وأن عمل الصالحات سبب الفوز بالنعيم في الآخرة، فإن قصرنا في العمل حاق بنا سوء تقصيرنا وكنا خلقاء باللوم والتثريب أحرياء بما أعد الله للمقصرين من الخيبة في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة، لا ينبغي أن يحتج بالقدر إذا قصرنا في عمل كان في وسعنا أن نعمله فلم نعمله، فحاق بنا ما يستوجبه التقصير، لأننا مأمورون أن نأخذ الحذر، وأن نحتاط للأمر ما استطعنا الى ذلك سبيلا ...
كل امرئ يدرك ادراكا تاما الفرق بين ما يأتيه أو ما يدعه طوعا واختيارا، وما يصيبه وليس له فيه إختيار ومن أنكر ذلك فقد سفه نفسه، وأنكر عقله، إننا نرى أن الإنسان إذا أخفق في الحصول على مطلب عاد باللأئمة على نفسه ثم عاود الطلب بعد إحكام وسائله واتخاذ الأسباب التي يعتقد أنها كفيلة بأن تحقق أمله حتى يظفر بحاجته، وإن راى سبب إخفاقه منافسة خصم اشتد غضبه عليه، وإن اعتدى عليه معتد بالقول أو بالفعل لم يقف أمامه مكتوف اليدين متى كان قادرا على الإنتقام، ومن العجيب أن القدر لا يخطر بباله في كل هذه الأمور، ولا يخطر بباله إلا اذا اقترف سيئة ليحمل الأقدار تبعة ما جنى وجريرة ما اقترف.
ضلت أفهام المسلمين ولاسيما الصوفية، فصاروا جبرية لا يفكرون في جلب خير ولا دفع ضر كأنهم بين أيدي الأقدار كالريشة في مهب الرياح، فإذا وجهت إليهم عتابا أو ملاما أو نصحت لهم بأن يرجعوا الى الإسلام ويعملوا بالأسباب وأن يسلكوا سبل الخير احتجوا بالقدر، وحملوا الأقدار