للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه وحده، وإطراح جميع الخلق في قبضة القهر، ليس بيدهم شيء من الأمر، الدرجة الثالثة، ألا يرى في الوجود إلا الله وحده، فيغيب النظر عن المخلوقات حتى كأنها عنده معدومة، وهذه الذي تسميه الصوفية مقام الغناء بمعنى الغيبة عن الخلق، حتى أنه قد يغني عن نفسه، وعن توحيده: أي يغيب عن ذلك باستغراقه في مشاهدة الله، وهذه درجة مرفوضة لأنه لا يوجد- ولا يمكن أن يوجد- من هو أكثر توحيدا وأعمق إيمانا وأشد إخلاصا لله من محمد - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك لم يغب ولم يستغرق! فإن قيل هل يشترط في التوكل ترك الأسباب أم لا؟

فالجواب: أن الأسباب على ثلاثة أقسام: أحدها: سبب معلوم قطعا قد أجراه الله تعالى، فهذا لا يجوز تركه كالأكل لدفع الجوع، واللباس لدفع البرد. والثاني سبب مظنون كالتجارة وطلب المعاش وشبه ذلك، فهذا لا يقدم فعله في التوكل، لأن التوكل من أعمال القلب لا من أعمال البدن ويجوز تركه لمن قوى عليه. والثالث سبب موهوم بعيد، فهذا يقدم فعله في التوكل ثم ان فوق التوكل التفويض وهو الاستسلام لأمر الله تعالى بالكلية، فإن التوكل له مراد واختيار، وهو يطلب مراده باعتماده على ربه، وأما المفوض فليس له مراد ولا اختيار، بل أسند المراد والاختيار إلى الله تعالى، فهو أكمل أدبا مع الله تعالى ...

التوبة: قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} التوبة واجبة على كل مؤمن مكلف بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وفرائضها ثلاثة: الندم على الذنب من حيث عصي به ذا الجلال، والإقلاع عن الذنب في أول أوقات الإمكان من غير تأخير ولا توان، والعزم ألا يعود إليها أبدا، ومهما قضى عليه بالعودة أحدث عزما مجددا. وآدابها ثلاثة: الإعتراف بالذنب مقرونا بالإنكسار، والإكثار من التضرع والإستغفار، والإكثار من الحسنات لمحو ما تقدم من السيئات، ومراتبها سبع: فتوبة الكفار من الكفر، وتوبة المخلطين من الذنوب الكبائر، وتوبة العدول من الصغائر، وتوبة العابدين من الفترات، وتوبة السالكين من علل القلوب والآفات،

<<  <   >  >>