مِنْهَا ... } نعم قد يضيق بعض المنحرفين والمتسلطين بدعوات الأنبياء لان انحرافهم لا يستقيم معها، ولأن تسلطهم لا يحيا في ظلها، اذ هي دعوة من شأنها أن تقيم العوج، وتقضي على التسلط، وتقيم بين الناس موازين المساواة والعدل.
ومن أجل هذا كان الذين يعادون الأنبياء، ويصدون الناس عنهم هم دائما أصحاب السلطان، وأرباب الجاه والغنى، إذ يحسبون في هذا الذي تحمله الدعوة النبوية إلى الناس من عدل وإخاء تضييعا لما معهم من سلطان وجاه، وذهابا لما بين أيدهم من مال وحطام .. أو هو على أقل تقدير ازعاج لما هم فيه من حال رضوا بها واطمأنوا إليها.
ولو عقل هؤلاء لعرفوا أن النبي لا ينزع سلطانهم ليضعه في يده، ولا يأخذ مالهم ليضيفه إلى نفسه، فما جاءت رسل الله لطلب جاه أو سلطان، وما عملوا على جمع المال، ولا تشييد القصور، والاستكثار من الحشم والخدم، أن دعوة النبي وجهاده وكفاحه من أجل الناس، ولحساب الحق والعدل وليس له من شيء إلا ما تفضل الله به عليه من منزلة كريمة عنده، وثوأب طيب لا حمل من عبء الدعوة ولا لقي في سبيلها من عنت وأذى ان أجرى إلا على الله ... ولو عقل هؤلاء الذين يعادون الأنبياء لعرفوا أن دعوتهم هي دعوة الحق والإحسان والعدل والبر، وأنها لا تتعرض للسلطان العادل، ولا تقف في وجه الغني إذا كان يؤدي حق الله، وحق السائل المحروم.
ومن كمال حكمة الله سبحانه وتعالى أن لا يخلق الخلق ويتركهم سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولهذا نزه نفسه عن هذا في غير موضع من كتابه.
وأخبر أن من أنكر الرسالة والنبوة، ويقول ما أنزل الله على بشر من شيء فإنه ما عرف الله حق معرفته، ولا عظمه حق عظمته، ولا قدره حق قدره بل نسبه إلى ما لا يليق به، ويأباه حمده ومجده ...
كون الله سبحانه وتعالى إلها، فإن ذلك مستلزم لكونه معبودا مطاعا، ولا سبيل إلى معرفة ما يعبد به ويطاع إلا من جهة رسله وكونه ربا، فإن الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم وجزاء محسنهم بإحسانه،