للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكرمه، ورفع به منزلته بين المخلوقات وبهذا العقل قد استأهل، أن يكون خليفة الله في الأرض وأنه يرى في نفسه القدرة على حمل الأمانة التي عجزت عن حملها السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ... والعقل الذي يحمله الإنسان هو سلاح ذو حدين قد يكون مصباحا يضيىء أو شهابا يحرق أو يحترق يستطيع العقل أن يعرف الله معرفة واضحه إذا وقف من هذا الوجود موقف المتأمل البصير الذي يفرق بين الحق والباطل، ويستدل على الخالق بالمخلوق فتلك هي وظيفة العقل في التعرف على الله، وبهذا العقل المتزن الرشيد عرف العارفون ربهم وتعرفوا عليه وآمنوا به ..

كيف يبحث الإنسان عن معرفة الله في هذه الكائنات؟ لهذا الوجود المحيط بنا وجهان، وجه ظاهر يلقاه المرء بحواسه ويتجاوب معه بمشاعره، ووجه آخر خفي لا يقع في مجال الحس والمشاهدة فلا يستجيب لدعوة الحواس، ولا يكون في متناول العقل، وإنما يحس به الإنسان ببصيرته ...

هذا الوجود بوجهيه الظاهر والخفي قد شغل الإنسان بالبحث منذ برز إلى الوجود عن مالك هذا الوجود ومدبر أمره ومصرف شؤونه. وفي الإنسان نوازع نفسية تدعوه إلى البحث عن الله وهو إذ يستجيب لهذه النوازع إنما يستثير كل قواه، ويستخدم كل ملكاته إلى أن يتعرف إلى الله سبحانه وتعالى ... فالإشارات التي تشير إليه إنما تنبعث من كل موجود من النبتة الصغيرة إلى النخلة الباسقة، من النملة التي تدب على الأرض إلى النسور المحلقة في الهواء، ومن كل كائن في الأرض إلى كل كوكب ونجم في السماء، ففي كل كائن من هذا الوجود أكثر من إصبع تشير إلى الخالق العظيم وتدعو إليه.

فالطريق إلى الله إذا متعدد المناهج والمسالك فإذا أردنا أن نتعرف إلى الله فلا نجد أكمل من هذا المنهج الذي يجعل الوجود كله كتابا يقرؤه الإنسان في حروفه وكلماته وأسطره وصفحاته وفصوله وأبوابه فكل هذه الآيات تدل على وجود الإله وتتحدث عن جلاله وعظمته وقدرته وحكمته.

<<  <   >  >>