للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كان الشر هو الآلام وأسبابها كانت استعاذات النبي - صلى الله عليه وسلم - جميعها مدارها على هذين الأصلين، فكل ما استعاذ منه، أو أمر بالاستعاذة منه فهو إما مؤلم، وإما سبب يفضي إليه، فكان يتعوذ في آخر الصلاة من أربع، وأمر بالاستعاذة منهن وهي: "عذاب القبر، وعذاب النار فهما أربع المؤلمات، وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال" (١) وهذان هما سببا العذاب المؤلم، فالفتنة سبب العذاب وذكر الفتنة خصوصا، وذكر نوعي الفتنة، لأنها إما في الحياة، وإما في الممات، ففتنة الحياة قد يتراخى عنها العذاب مدة، وأما فتنة بعد الموت، فيتصل بها العذاب من غير تراخ ..

فهذه الاستعاذة من الألم والعذاب وأسبابها من آكد أدعية الصلاة حتى أوجب بعض السلف والخلف الإعاذة على من لم يدع به في التشهد الأخير، وأوجبه ابن حزم في كل تشهد، فإن لم يأت به فيه فبطلت صلاته، واستعاذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثمانية أشياء فقال: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع (٢) الدين وغلبة الرجال" (٣) وتعوذ - صلى الله عليه وسلم - "من المأتم والمغرم" (٤) فإنهما سببا الألم العاجل ومن ذلك قوله: "أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك (٥) " فالسخط سبب الألم، والعقوبة: هي الألم، فاستعاذ من أعظم الآلام وأقوى أسبابها.


(١) أخرجه البخاري والنسائي عن أبي هريرة.- صحيح-
(٢) أي ثقله.
(٣) الحديث لأحمد في مسنده، ومسلم والنسائي عن زيد بن أرتم- وهو صحيح-
(٤) شطر من حديث رواه مسلم رقم ٥٨٨ وأبو داود رقم ١٨٣ والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة.
(٥) رواه مسلم ومالك، وغيرهما.- عن محمد بن إبراهيم الحارث-.

<<  <   >  >>