للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} ومعنى هذا: أن كل حسنة تصيب العبد من صحة وعافية ورزق، واعتدال زمان، وخصب أرض، ونزول غيث وغير ذلك مما يحسن عنده وقعه، فهي من فضل الله عليه، فهو الذي سخر له المنافع التي بها حياته، وحياة ما ينتفع به من حيوان ونبات وهو الذي أرشده بما وهبه من أنواع الهدايات، بما أنزل عليه من الشرائع والآيات البينات الى سبيل الإنتفاع بهذه الموجودات. وقد مكن الله الإنسان من ناصية الوجود، ووهبه العقل والقوى ما يكفيه من توفير أسباب السعادة، والبعد عن مزالق الشقاء، وهذه النعم مصدرها المواهب الإلهية فهي من الله تعالى.

وكل سيئة تصيب العبد فهي من نفسه لأنه أوتي قدرة على العمل، واختيارا في التقدير الباعث عليه، من دفع المضار، وجلب المنافع.

فإذا أساء العبد التصرف في عمله، وأهمل العقل وانصراف عن سر ما أودع الله في سننه، واتبع الهوى ومال مع الشهوات جلب الشر على نفسه لأن ربه وهبه هبات ليصرفها فيما ينفعه، فوجهها بسوء اختياره الى ما يضره، فحق أن ينسب اليه ما جنى على نفسه، ويقال له: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} ..

وهنا حقيقتان متفقتان ينبغي تدبرهما وفقهما:

الأولى: أن كل شيء من عند الله بمعنى أنه خالق الأشياء، وواضع النظام والسنن، ومسبب الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار- وهذا كله بسعي الإنسان واختياره لأنه مظهر الحكمة الالهي ...

الثانية: أن الإنسان لا يقع في شيء يسؤه إلا بتقصيره في استبانة الأسباب وتعرف السبب والأحكام فإذا قصر الإنسان في العلم وأساء الإختيار في استعمال قواه في غير ما يقتضيه نظام الفطرة وقع فيما يسؤه وكان على نفسه جانيا {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} أفلا يدل على أن الهدى والضلال بيد الله تعالى، وليس للعبد فيما كسب ولا عمل؟ ينبغي للإنسان أن يعلم أن الله تعالى حكيم، والحكيم يضع

<<  <   >  >>