شيء، والمحبة هنا مرتبطة بالخشية فكلما زادت خشيتنا من الله ازددنا تقربا منه وحبا له وتعلقا بأوامره تطبيقا وبنواهيه انتهاء ... اعلم أن سبب محبة الله معرفته، فتقوى المحبة على قدر قوة المعرفة، وتضعف على قدر ضعف المعرفة، فإن الموجب للمحبة أحد أمرين، وكلاهما إذا اجتمعا في شخص من خلق الله تعالى كان في غاية الكمال: وهنا يبدو له جمال الله وحسنه، فأما الجمال فهو محبوب بالطبع مثل جمال الله في حكمته البالغة وصنعته البديعة، وصفاته الجميلة الساطعة الأنوار التي تروق العقول وتبهج القلوب، وإنما يدرك جمال الله تعالى بالبصائر لا بالأبصار، وأما الإحسان فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وإحسان الله إلى عباده متواتر، وإنعامه عليهم باطن وظاهر، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} سورة إبراهيم. ويكفيك أنه يحسن إلى المطيع والعاصي، والمؤمن والكافر، وكل إحسان ينسب إلى غيره، فهو في الحقيقة منه، وهو المستحق للمحبة وحده، واعلم أن محبة الله إذا تمكنت من القلب ظهرت آثارها على الجوارح من الجد في طاعته والنشاط لخدمته، والحرص على مرضاته والتلذذ بمناجاته والرضا بقضائه والشوق إلى لقائه، والأنس بذكره، والاستيحاش من غيره، وخروج الدنيا من القلب ومحبة كل من يحب الله، وإيثاره على من سواه.
فهذه هي الغاية المطلوبة والسعادة المنشودة التي بها سعادة الخلق في الدنيا والآخرة، لا شيء أحب إليهم في الدنيا كالإيمان به، ولا شيء أحب إلى الناس في الآخرة كالنظر إلى وجهه الكريم، فمن أعرض عن هذا التوحيد {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طه).
فالتوحيد هو إفراد الله بالعبادة. قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}(سورة الذاريات).