البشرية، وتحتمله. نقول هذا لنفهم منه أن لكل رسول، كما لكل إنسان- سعيه وجهده في محاسبة نفسه، وفي مغالبة ضعفه البشري، وأنه بقدر ما يعمل وبقدر ما يتحمل، تكون منزلته عند الله ودرجته بين رسله وأنبيائه كما يقول سبحاته:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} ونفهم من هذا أيضا أن الرسل مطالبون بأن يجاهدوا، وأن يعملوا، وأن يستقلوا بحمل العبء الملقى عليهم، وألا يدخل التواكل على مهمتهم، بحسب أن الله هو صاحب الدعوة، وهو الذي يتولى! كلا فإنهم مكلفون بأن يواجهوا بأنفسهم هذه المهمة التي ندبتهم لها السماء، وأن يقوموا عليها قيام الراعي القوي الحذر الذي يسوق قطيعه إلى مواطن الكلاء، وموارد الرعي الذي لا يغمض عينه عن الذئاب المتربصة بالقطيع، ولو شاء الله أن تحمل عن الرسل والأنبياء أعباء ما حملوا، وأن يطوع لهم كل شيء- لكانوا مجرد أدوات، ولم يكن لهم فضل مجاهدة، ولا ثمرة جهاد ..
ولكن هكذا اقتضت حكمة الله أن يحمل الرسل تبعة مهمتهم العظيمة، وأن يبذلوا لها من الجهد، وأن يتحملوا في سبيلها من الأذى على قدر نبلها، وشرف غايتها فإن العظائم كفؤها العظماء ... ونفهم من هذا كذلك أن أصحاب الرسالات من القادة والزعاء مطالبون بما لم يطالب به غيرهم من الناس من حمل الأعباء، وتلقي الصدمات بالقدر الذي تضم رسالاتهم من الخير والحق ....