للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال البيضاوي في تفسير الجمل، بيان لكبرياء شأنه، وأنه لا أحد يساويه أو يدانيه، ويستحيل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضلا عن أن يعوقه عنادا أو مفاصبة ....

وقال الأستاذ الإمام ما حاصله: إن في هذا الإستثناء قطعا لأمر الشافعين المتكلمين على الشفاعة المعروفة التي كان يقول بها المشكون وأهل الكتاب عامة لانفراده تعالى بالسلطان والملك وعدم جراءة أحد من عبيده على الشفاعة أو التكلم بدون إذنه، وإذنه غير معروف لأحد من خلقه ...

ثم قال: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي ما قبلهم وما بعدهم أو بالعكس، أو أمور الدنيا التي خلفوها، أو أمور الآخرة التي يستقبلونها، ما يدركون وما يجهلون، وهذا دليل على نفي الشفاعة بالمعنى المعروف.

فالشفاعة المعروفة التي يعلق عليها الكافرون والفاسقون آمالهم، ويظنون أن الله تعالى يرجع عن تعذيب من استحق العذاب منهم لأجل أشخاص ينتظرون شفاعتهم هي مما يستحيل على الله تعالى لأنها من شأن أهل الظلم والبغي تستلزم الجهل وهو ذو العلم المحيط {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} ومن علم شيئا منك فلا سبيل له إلا التصدي بإعلامك، فما عسى أن يقول من يريد الشفاعة عنده بالمعنى الذي يعهده الناس ويغتر به الحمقى الذين يرجون النجاة في الآخرة بدون رضاء الله تعالى في الدنيا. قال الإمام: معناه أن الشفاعة تتوقف على إذنه، وإذنه لا يعلم إلا بوحي منه تعالى. يريد أن ذلك ترق في نفيها من دليل إلى آخر أي إذا أمكن أن يكون هناك شفاعة بمعنى آخر يليق بجلال الله تعالى كالدعاء المحض، فإنه لا يجرؤ عليها أحد في ذلك اليوم العصيب إلا بإذن من الله تعالى، وإذنه تعالى مما إستأثر بعلمه فلا يعلمه غيره إلا إذا شاء إعلامه به، ثم قال وإنا نعرف إذنه بما حدده من الإحكام في كتابه، أي فمن بين أنه مستحق لعقابه، فهو مستحق له، لا يجرؤ أحد أن يدعو له بالنجاة، ومن بين أنه مستحق لرضوانه على هفوات ألم بها لم تحول وجهه عن الله تعالى إلى الباطل والفساد الذي يطبع على الروح فتسترسل في

<<  <   >  >>