مشيئته تعالى وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يقع في ملكه إلا ما يريد وإن أفعال العباد من الطاعات المعاصي واقعة بتلك المشيئة العامة التي لا يخرج عنها كائن سواء كان مما يحبه الله ويرضاه أم لا. وثانيهما الإيمان بأن جميع الأشياء واقعة بقدرة الله تعالى، وأنها مخلوقة له لا خالق لها سواه، ولا فرق في ذلك بين أفعال العباد وغيرها كما قال تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ويجب الإيمان بالأصل الشرعي، بحيث أن الله تعالى كلف العباد فأمرهم بطاعته وطاعة رسوله ونهاهم عن معصيته ولا منافاة أصلا بينما ثبت من عموم مشيئته سبحانه لجميع الأشياء وبين تكليفه للعباد بما شاء من أمر ونهي فإن تلك المشيئة لا تنافي حرية العبد واختياره للفعل، ولهذا جمع الله بين الشيئين بقوله:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} كما أنه لا تلازم بين تلك المشيئه وبين الأمر الشرعي المتعلق بما يحبه الله ويرضاه، فقد يشاء الله ما لا يحبه كمشيئة وجود إبليس وجنوده، وكذلك لا منافاة بين عموم خلقه تعالى لجميع الأشياء وبين كون العبد فاعلا لفعله، فالعبد هو الذي يوصف بفعله، فهو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، والله خالقه وخالق فعله لأنه هو الذي خلق فيه القدرة والإرادة اللتين بهما يفعل: يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر: إن العبد إذا صلى وصام وفعل الخير وعمل شيئا من المعاصي كان هو الفاعل لذلك العلم الصالح، وذلك العمل السيء وفعله المذكور بلا ريب قد وقع باختياره وهو يحسن أنه غير مجبور على الفعل أو الترك، وأنه لو شاء لم يفعل، وكان هذا هو الواقع، فهو الذي نص الله عليه في كتابه، ونص عليه رسوله حيث أضاف الأعمال صالحها وسيئها إلى العباد وأخبر أنهم الفاعلون لها، وأنهم ممدحون عليها إن كانت صالحة، ومثابون، وملومون عليها إن كانت سيئة ومعاقبون عليها، فقد تبين واتضح بلا ريب أنها واقعة منهم باختيارهم وأنهم إذا شاؤا فعلوا، وإذا شاؤا تركوا، وأن هذا الأمر ثابت عقلا وحسا وشرعا ومشاهدة ومع ذلك إذا أردت أن تعرف أنها وإن كانت كذلك واقعة منهم كيف تكون داخلة في القدر وكيف تشملها المشيئة؟ فيقال بأي شيء وقعت هذه الأعمال الصادرة من العباد خيرها وشرها فإنها بقدرتهم وإرادتهم، هذا