الكذب ورسم له منهج الحق والخير والصدق مما أنزل من كتب، وبما أرسل من رسل، وما دام العقل المميز موجودا، والقدرة على الفعل صالحة، والمنهج المرسوم واضحا، فقدا ثبت للإنسان حرية الإرادة واختيار الفعل وعلى الإنسان أن يوجه قواه إلى ما يختاره لنفسه من حق، أو باطل، ومن خير أو شر، ومن صدق أو كذب، يقول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} أي هديناه، وأرشدناه إلى طريق الحق والباطل، والخير والشر، والصدق والكذب، فهو إما أن يسلك السبيل الأهدى فيكون شاكرا، أو الطريق المعوج فيكون كفورا، وفي هذا المعننى أيضا يقول القرآن الكريم:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} أي الطريقين، كل إنسان مسؤول عن تهذيب نفسه وإصلاحها حتى تصل إلى كمالها المقدر لها، فإصلاحها وتزكيتها وتنميتها يكون بالعلم النافع والعمل الصالح وهو سبيل فلاحها وفوزها برضا الله، والقرب من مشاهدة جلاله وجماله، كما أن إهمالها هو السبيل إلى خيبتها وخسرانها {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}{بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} والآيات التي تقرر حرية الإنسان كثيرة جدا {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}.
فأسنذ العمل الصالح، والعمل السيئ إلى الإنسان، ولو لم يكن الإنسان حرا ما أسند إليه الفعل، وفي موضع آخر من القرآن الكريم يقول الله سبحانه:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} أي أن الشرور التي تعرض للإنسان إنما هي أثر من آثار عمله، ونتائج اختاره وتصرفه.
وإن القرآن يتحدث عن المفاسد والجرائم التي تحيط بالناس فيبين أنها ليست من صنع الله، وإنما هي من صنع البشر {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وهذا الذي يقرره القرآن هو ما يشعر به الإنسان من نفسه، فهو يشعر بأنه يمارس أعماله الإرادية بمحض إرادته واختياره، فهو