للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فشيخا، فهرما، وإذا قدر له أن يرد الى أرذل العمر، وقدر أن يمنحه قدرة وإرادة يزاول بهما- بإذن ربه- مصالحه، ويسعى في كسب رزقه وجلب ما ينفعه ودفع ما يضره.

وقدر أن يمنحه أنواعا من الهدايات يميز بها النافع من الضار والخير من الشر، والهدى من الضلال، وقدر أن يرسل إليه رسله يرشدونه الى ما فيه خيره وصلاحه، وأناط بأتباعهم وطاعتهم سعادته، وبمعصيتهم والمخالفة عن أمرهم شقاوته، وقدر أن يكلفه أنواعا من التكاليف كلها، فإن نهض بها أثابه وإن لم يفعل عاقبه، وقدر أن يجعله مختارا فيما يأتي ويدع، وأن يجعل هذا الإختيار أساسا للتكاليف الشرعية، حتى إذا ذهب الإختيار سقط التكليف ولا يتسع الوقت لإيراد جميع المقادير الإلهية التي سماها ذو الجلال والإكرام بكلماته، والتي قال في شأنها في سورة لقمان: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وقال في سورة الكهف: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}.

هذه القوانين الإلهية، والنواميس الربانية، والسنن الكونية أزلية أبدية سرمدية خالدة، وضعها رب العزة قبل أن يخلق السماوات والأرض، فكانت هذه النواميس قائمة، ولم يكن في الدنيا شيء من الموجودات، بل لم تكن الدنيا قد تمخض عنها الوجود، وهذه القوانين الأزلية الأبدية لا تتغير، ولا تتبدل، ولا تتحول بشهادة القرآن الكريم كما قال تعالى في سورة فاطر: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} ..

ذلكم هو القدر، أي القانون الأزلي الأبدي السرمدي الذي لا يعتريه تبدل ولا تغير ولا تحول، والذي لو اجتمعت كل قوى العالم السماوية والأرضية على أن تغير منه مثقال ذرة ما وجدت الى ذلك سبيلا، ولو كان بعضها لبعض ظهيرا.

ذلكم هو القدر فما القضاء؟

<<  <   >  >>