أما القدر الذي لا يستطيع الإنسان أن يقاومه كل المقاومة ولكن في إمكانه تخفيف حدته وتلطيف شدته فهو ما يتصل بالغرائز والبيئة والوراثة، وما الى ذلك، فهو غالب إبتداء، ولكنه مخير انتهاء.
توضيح ذلك: إن الله تعالى قدر على الإنسان غريزة حفظ الذات.
وهذه الغريزة جامحة طاغية عنيفة لو ألقى حبلها على غار بها لاقتحمت بالإنسان مخاطر ومهالك، ودفعته الى أن يظفر بكل ما تمكنه قوته من الظفر به غير مبال ولا حافل بسواه.
لم يفرض الله سبحانه وتعالى على الإنسان أن ينتزع هذه الغريزة من جذورها، أو يقتلعها من أصولها لأنها قدر غالب لا سبيل الى دفعه، ولكنه أمره أن يكبح جماحها ويردها عن طغيانها، وعلمه كيف يخفف من حدة هذا القدر، وكيف يلطف من جموحها قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(سورة النساء)، {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}(سورة النساء)، قال أيضا:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}(سورة البقرة)، ومن هذه النصوص الحكيمة ترون أن الله حضر على الإنسان أن يعتدي على حق غيره، وأن يأكل ما لم يكسبه من طريق طيب مباح، وبذلك يخفف من حدة هذه الغريزة، ويحد من طغيانها.
وهنا يشعر الإنسان بأنه حر مخير بين أن يستجيب لداعي الغريزة الجموح، وأن يستجيب لأمر الله الحكيم الذي لم يكلفه إلا ما له به طاقة.