قال المفسرون في هذه الآية وهي قوله {أَيُشْرِكُونَ ... } فيها توبيخ وتعنيف للمشركين في عبادتهم مع الله تعالى ما لا يخلق شيئا وهو مخلوق، والمخلوق لا يكون شريكا للخالق في العبادة التي خلقهم لها، وبين أنهم لا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون، فكيف يشركون من لا يستطيع نصر عابديه ولا نصر نفسه، وهذا برهان ظاهر ودليل باهر على بطلان ما كانوا يعبدونه من دون الله. وهذا وصف كل مخلوق حتى الملائكة والأنبياء والصالحين وأشرف الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - كان يستنصر ربه على المشركين ويقول:"اللهم أنت عضدي وأنت نصيري، بك أجول وبك أصول، وبك أقاتل"(١).
وفي الصحيح عن أنس قال: شج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وكسرت رباعيته، فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ فنزل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الحديث رواه البخاري تعليقا ووصله مسلم والنسائي والترمذي والإمام أحمد بن حنبل، قال ابن اسحاق في المغازي: حدثنا حميد الطويل عن أنس قال: كسرت رباعية النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وشج وجهه، وجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم وهو يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله الآية.
وذكر ابن هشام في السيرة من حديث أبي سعيد الخدري أن عتبة بن أبي وقاص هو الذي كسر رباعية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله بن شهاب الزهري هو الذي شجه في وجهه، وأن عبد الله بن قميئة جرحه في وجنته، فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، ووقع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حفرة من الحفر التي عملها أبو عامر ليقع فيها المسلمون فأخذ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعه طلحة ابن عبيد الله حتى استوى قائما، ومسح مالك بن سنان أبو سعيد الخدري
(١) رواه أبو داود (في الجهاد). والترمذي (في الدعوات). ورواه أحمد في مسنده- وإسناده صحيح- وحسنه الترمذي-