للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دراسة المسألة دراسة مقارنة:

لم أجد هذه المسألة بنصها في كتب بقية المذاهب، لكن سأسلك مسلك التخريج بناءً على ما قالوه في اشتراط الاجتهاد في القاضي، فالحنفية قالوا بأن الأولى أن يكون القاضي مجتهداً (١)، وفي هذه المسألة يندفع اختلافهم إذا اعتبرنا أن القاضي قد اجتهد وقال بما أداه اجتهاده، وبقية المذاهب من المالكية (٢)، والشافعية (٣)، والحنابلة (٤) نصوا على شرط الاجتهاد في القاضي، فيُخرَّج قولهم كقول الحنفية، وهو أن القاضي المجتهد إذا اجتهد وقضى بما يخالف رأيه الأول فإن حكمه نافذ، لأن اجتهاد المجتهد يتغير لا لتغير الأحكام بل لتغير نظرته إلى الأحكام.

والمسألة لها ثمرة عملية تظهر فيما لو قضى القاضي في قضية بعد الاجتهاد فيها، ثم تكررت القضية بعد فترة فحكم بما يخالف حكمه السابق بعد الاجتهاد أيضاً، فحكمه نافذ؛ لأن فرضه الاجتهاد (٥) وعليه أن يحكم بما أداه إليه اجتهاده، وكذا لو نسي حكمه السابق، ولو حكم به عمداً ومن غير اجتهاد فلا يجوز ولا ينفذ حكمه؛ لفقد شرط أو أكثر من شروط القاضي، لكن لا ينبغي أن يُظن ذلك بالقضاة، والله أعلم.


(١) الاختيار، ٢/ ٨٣، ولم أجد غيره أنه ذكرها بهذه الطريقة، لكن يفهم من قولهم: "وإن كان القاضي مجتهداً يقضي بما أدى إليه اجتهاده"، كما في البناية، ٨/ ١٠٩.
(٢) جامع الأمهات، ص: ٤٦٢، إرشاد السالك، ص: ١١٧، التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب، ٧/ ٣٨٧.
(٣) التهذيب في فقه الإمام الشافعي، ٨/ ١٦٨، البيان في مذهب الإمام الشافعي، ١٣/ ٢٠.
(٤) المبدع في شرح المقنع، ٨/ ١٥٤، شرح منتهى الإرادات، ٣/ ٤٩٢.
(٥) المسودة في أصول الفقه، ص: ٤٦٨.

<<  <   >  >>