للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الاقتصار على ظاهر العدالة في الشاهد المسلم]

مسألة عدالة الشاهد المسلم تذكر في كتاب الشهادات عند بيان مراتب الشهادة، وفقهاء الحنفية قد اختلفوا فيها على قولين:

القول الأول: يكتفى ويقتصر في المسلم على ظاهر عدالته (١) إلا في الحدود والقصاص؛ (لأنه يحتال لإسقاطها، ولأن الشبهة بها دارئة) (٢)، فإن طعن فيه الخصم سأل القاضي عنه، وهذا عند أبي حنيفة – (٣).

القول الثاني: يسأل القاضي في جميع الحقوق سراً وعلانيةً (٤)؛ صيانةً لحكم القاضي من النقض، وهو قول الصاحبين (٥).

ويظهر أن الخلاف خلاف تنوع أو أنه خلاف لفظي غير حقيقي؛ لأن أبا حنيفة أفتى في زمان كانت العدالة في الشهود ظاهرة، والنبي – قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (٦)، واكتفى بتعديل النبي –، وفي زمانهما فشا الكذب فاحتاجا إلى السؤال، ولو كانا في زمانه ما سألا، ولو كان في زمانهما لسأل، والفتوى على قولهما لفساد أهل الزمان وقلة مبالاتهم بالأمور الدينية (٧).


(١) وهي عند الحنفية عدالة الإسلام. ينظر: تبيين الحقائق، ٤/ ٢١٠. وعند المالكية مثلاً شهوده الصلوات في المساجد، وألا يعرف بأمر قبيح. ينظر: المختصر الفقهي لابن عرفة، ٩/ ٢٥٣. قلت: الفرق بينهما واضح، فلو أسلم شخص ثم شهد فإن شهادته مقبولة عند الحنفية، ولا تقبل عند المالكية حتى يُعلم بإتيانه الأعمال الظاهرة المشروعة مثل الصلاة، ويُعلم أيضاً بتجنبه الأعمال الظاهرة المنهية مثل المعاصي، والأول بعيد، والثاني قريب جداً من عدالة الباطن؛ لقوة العدالة الظاهرة واشتهارها، والله أعلم.
(٢) الهداية، ٣/ ١١٨.
(٣) المرجع السابق.
(٤) قلت: وهو في الحقيقة معرفة عدالة الشاهد باطناً بعد أن عرفها ظاهراً.
(٥) الهداية ٣/ ١١٨.
(٦) أخرجه البخاري، ٣/ ١٧١، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، رقم حديث: ٢٦٥٢.
(٧) الاختيار، ٢/ ١٤٢، مجمع البحرين، ص: ٧٦٩.

<<  <   >  >>