للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: من حلف ألا يلبس حلياً فلبس عقد اللؤلؤ

هذه مسألة تُذكر في كتاب الأيمان، والأيمان عند الحنفية تنبني على العرف –كما سبق- في المسألة السابقة، فلو حلف شخص ألا يلبس حلياً، فلبس عقد لؤلؤ، فإنه لا يحنث في قول أبي حنيفة –؛ لأنه ليس بحلي حتى يُرصّع بالذهب والفضة (١)، وعند صاحبيه هو حلي، فيحنث فيه بدليل قوله تعالى: ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [النحل: ١٤]، والمستخرج من الجوهر اللؤلؤ غير مرصع (٢)، وقولِه: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا﴾ [الحج: ٢٣] (٣)، وكذلك من حيث العرف يستعمل استعمال الحلي، فالمرأة قد تلبس عقد لؤلؤ للتحلي بها، ولكن أبا حنيفة -رحمه الله تعالى- شاهد العرف في عصره، وأن النساء يتحلَّيْنَ باللؤلؤ مرصعاً بالذهب أو الفضة، ولا يتحلَّيْنَ باللؤلؤ وحده فبنى الجواب على ما شاهده (٤).


(١) المبسوط، ٩/ ٣٠.
(٢) البناية، ٦/ ٢٤٠.
(٣) الأصل، ٣/ ٣٩٤.
(٤) ينظر: المبسوط، ٩/ ٣٠، بتصرف يسير.
وقد يقال: إن فيه إشكالاً بحيث بنى الإمام قوله على العرف السائد، وبنيا قولهما على عرف زمانهما، إضافة إلى أنه موافق لما جاء في القرآن؛ فهل غابت هذه الآيات عن الإمام؟ يقال –والله أعلم-: إن الإمام حمل معنى اللؤلؤ على المرصع فقط وهو محتمل لغةً، ففي العين (٨/ ٣٥٤) وغيره يُعرف اللؤلؤ بكلمة معروف، لكن جاء بعده ببيت غير منسوب لأحد مقراً به:
دُرّةٌ من عقائل البَحْر بكرٌ … لم تخنها مثاقب اللئال
فسماه درة بكراً قبل أن تخنها مثاقب اللئال. ويؤيد ذلك ما جاء في بعض التفاسير المتأخرة مثل تفسير الجلالين (ص: ٥٧٦)، فإنها تنص على أن اللؤلؤ المذكور في آية فاطر مرصع بالذهب. أو يقال: إن سبب ذلك قولهم في الأيمان: إنها مبنية على العرف لا على الحقائق اللغوية ولا على ألفاظ القرآن الكريم (ينظر: مجمع الأنهر، ١/ ٥٨٠، المبسوط، ٨/ ١٨٤)، وهو أولى؛ فقدم العرف السائد في وقته لأجل ذلك، والمسألة عادت إلى اختلاف الأعراف، فصح أن يقال فيها: إنها اختلاف عصر وزمان، والله أعلم. (ينظر: البناية، ٦/ ٢٤٠)

<<  <   >  >>