للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع: قواعد الترجيح في المذهب الحنفي]

يقصد بالترجيح هنا بيان ما يعتمد عليه من أقوال أئمة المذهب عند التعارض أو ما يعتمد عليه من ورواياتهم المختلفة (١).

إذا ورد عن الإمام أو أحد من أصحابه قولان في مسألة، وصدر كل قول في وقت مختلف (٢) وعُلم المتأخر فهو معتبر، والآخر متروك، وإذا لم يُعلم المتأخر نُقل القولان معاً (٣)، وعند ذلك يصار إلى الترجيح بينهما وفقه القواعد الاستقرائية الأغلبية المبثوثة في بطون الكتب المختلفة، وكثيراً ما تتأثر بأمور منها: وصف المرجِّح بالاجتهاد أو عدمه، واختلاف عصر وزمان، والضرورة.

وقواعد الترجيح في المذهب الحنفي يمكن تقسيمها إلى أربعة أنواع:

- النوع الأول: قواعد الترجيح المتعلقة بطبقات الكتب والمسائل، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك (٤)، وتبين أن رواية الأصول تُقدم على رواية النوادر، وأن المتون تُقدم على الشروح، وهذا في الحقيقة قاعدة الترجيح بين القولين المختلفين.


(١) ويفهم منه أن اختلاف الروايتين ليس من باب اختلاف القولين؛ لأن القولين نص المجتهد عليها، بخلاف الروايتين، فالاختلاف في القولين من جهة المنقول عنه لا الناقل، والاختلاف في الروايتين من جهة الناقل لا المنقول عنه. (ينظر: شرح عقود رسم المفتي، ص: ١٦، نقلاً عن التقرير والتحبير، ٣/ ٣٣٤).
قلت: وهذا فيه إشكال؛ لأن الرواية عن الإمام في الحقيقة رواية قوله، واختلاف الروايتين عنه من هذه الحيثية اختلاف القولين -إلا إذا كان هناك نصان ذكرهما أحد الأئمة في كتابه أو أكثر من كتاب يفيد كل واحد منهما قولاً مختلفاً اختلاف التضاد لا اختلاف التنوع-، وعليه يمكن أن يقال بأن كل رواية قول، وليس كل قول رواية. وتعدد الراوي والمروي عنه أو اتحاد أحدهما وتعدد الآخر لا أثر له هنا من حيث إطلاق لفظ الرواية أو القول ما دام لا توجد نصوص منقولة من كتاب الإمام ألفه بنفسه أو أملاه وأقره، وروايات محمد وأبي يوسف وغيرهما عن أبي حنيفة تُعتبر نصوصًا في حقهما؛ لأنهما مجتهدان مستقلان، وإثباتهم لتلك الروايات روايةٌ عن الإمام وقولُ الإمام من جهة وقولهُم هم من جهة أخرى.
(٢) قلت: لا يتصور صدور قولين مختلفين اختلاف التضاد في وقت واحد من إمام واحد إلا بالتكلف.
(٣) شرح عقود رسم المفتي، ص: ١٦.
(٤) ص: ٣٣ - ٣٩.

<<  <   >  >>