للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في الردِّ عليهم: «وهذا ليس بشهودٍ للحقيقة لا الكونيَّة ولا الدينيَّة، بل هو ضلالٌ وعمىً عن شهود الحقيقة الكونيَّة؛ حيث جعلوا وجود الخالق هو وجود المخلوق، وجعلوا كلَّ وصفٍ مذمومٍ وممدوحٍ نعتًا للخالق وللمخلوق؛ إذ وجود هذا هو وجود هذا عندهم» (١).

وحالهم كما ذكر شيخ الإسلام ، فهم أجهل الناس بالحقيقة الكونيَّة والشرعيَّة.

أما الحقيقة الكونيَّة فهم أضلُّ الناس عنها، وعامَّة المشركين والكفرة أعلم بها منهم؛ فإن أعظم الحقائق الكونيَّة التي يعلمها العقلاء بعقولهم ويشهدها الناس بحواسِّهم وفِطَرهم التباينُ العظيم بين المخلوقات في الوجود والأسماء والصفات والأفعال، وهؤلاء ينكرون هذا التباين ويجعلون الوجود واحدًا، بل لا يفرِّقون بين ربٍّ ومربوبٍ وخالقٍ ومخلوقٍ وعابدٍ ومعبودٍ، فهذا غاية الجهل والحمق والسفه، وليس فوق هذا الجهل جهلٌ بالكون والوجود.

وكذلك هم أجهل الناس بالحقيقة الشرعيَّة؛ فلا يفرِّقون بين إيمانٍ وكفرٍ وتوحيدٍ وشركٍ وطاعةٍ وفسقٍ، بل يجعلون الانسلاخ من الدين غاية الفناء في العبادة، ويزعمون أن فرعون بادِّعائه الربوبيَّة أعظم الموحِّدين الذين شهدوا الحقيقة الكونيَّة.

وقول هؤلاء مما لا يُتَكَلَّف بالتفصيل في ردِّه؛ لمعارضته لعامَّة الأدلَّة، وهو متضمِّنٌ للتكذيب بالدين كلِّه بل بعامَّة الشرائع التي نزلت بها الكتب من الله وما كان عليه الأنبياء والرسل وسائر المؤمنين الموحِّدين السابقين واللاحقين.

الشبهة الثالثة: شبهة بعض المتصوِّفة ومَن وافقهم، ودعواهم: أن من التسليم


(١) العبودية (ص: ٦٠).

<<  <   >  >>