للقدر الاستسلام لكلِّ ما يُقَدَّر على الإنسان، بحيث لا يطلب خلاف ما قُدِّر عليه، ولا يدفع شيئًا من المكروه، حتى يقول قائلهم:«إن العارف لا حظَّ له! أو إنه يصير كالميِّت بين يدي الغاسل!»، حتى ما يُقَدَّر على أحدهم من المعاصي والذنوب بل من الكفر، ويشهدون أن هذا جارٍ بمشيئة الله وقضائه وقدره داخلٌ في حكم ربوبيَّته ومقتضى مشيئته، فيظنُّون الاستسلام لذلك وموافقته والرضى به ونحو ذلك دينًا وطريقًا وعبادةً، فيضاهئون المشركين الذين قالوا: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨](١).
والجواب عن ذلك:
أن كلامهم هذا باطلٌ مخالفٌ للنصوص وما عليه الأنبياء والرسل وسلف الأمَّة الصالح. لكن في كلامهم إجمالٌ لا بدَّ من التفصيل فيه ليزول الاشتباه.
فيُقال: إن التسليم لأمر الله فيه تفصيلٌ: فالأمر على نوعين: أمرٌ شرعيٌّ دينيٌّ، وأمرٌ كونيٌّ قدريٌّ.
أما الأمر الشرعيُّ الدينيُّ؛ فهذا يجب التسليم له بالقلب والانقياد له بالجوارح، كما قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥]. فأمر الله بتحكيم الرسول ﷺ، وهذا انقيادٌ لحكم الشرع بالجوارح، وأمر بالتسليم لحكمه، وهذا استسلام القلب للشرع، ونفى الإيمان عمن لم يحقِّق ذلك، فدلَّ على وجوب التسليم والانقياد للشرع.
(١) انظر: العبودية (ص: ٥٥)، مجموع الفتاوى (٣/ ١١٧).