للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الأمر الكونيُّ؛ فعلى قسمين (١):

أ- الأمر الكونيُّ الذي قد وقع واستقرَّ ولا حيلة في دفعه بسببٍ من العبد -كموت القريب، واحتراق البيت-؛ فهذا يجب التسليم فيه لأمر الله. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٦ - ١٥٧].

ب- القدر الذي وقع واستقرَّ وجعل الله للعبد سببًا لرفعه، كالمرض جعل الله سببًا لرفعه بالتداوي، والعطش جعل الله سببًا لرفعه بشرب الماء، والجوع جعل الله سببًا لرفعه بالأكل، وكذا الذنب إذا وقع جعل الله سببًا لرفع عقوبته بالتوبة وإتباع السيِّئة الحسنة والاستغفار وغيرها من أسباب تكفير الذنوب. فيؤمن العبد بأن كلَّ هذا بقدرٍ، لكن ما أُمِر بالتسليم له بأن لا يسعى في دفع المكروه في الدين والدنيا، بل أُمِر ببذل السبب في رفع القدر بالأسباب التي جعلها الله سببًا لرفعه، فإن ارتفع وإلا سلَّم ورضي، كما قال النبيُّ : «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ؛ فلا تقل: «لو أني فعلت كان كذا وكذا»، ولكن قل: «قدر الله وما شاء فعل»، فإن «لو» تفتح عمل الشيطان» (٢).

وكذلك أُمِر العبد بتوقِّي وقوع القدر المكروه قبل وقوعه ببذل الأسباب في دفعه بالدعاء؛ فإنه ينفع فيما نزل وما لم ينزل، وكذا بتعاطي الأسباب في دفع المضارِّ، كما جاء عن عمر لما خرج بمن معه من الصحابة يريد دخول الشأم، فأُخبِر بأن الوباء قد وقع بأرض الشأم، فأمر الناس بالرجوع، قال أبو


(١) انظر: مدارج السالكين (١/ ٢١٨).
(٢) أخرجه مسلم (٢٦٦٤).

<<  <   >  >>