اليهود قالوا لموسى:(أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ)[النساء، الآية: ١٥٣] وقد سألت مشركو قريش النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا:(أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا) ، فنزل قوله تعالى:(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ)[البقرة، الآية: ١٠٨] وأوحى الله إلى رسوله أنه لا تدركه الأبصار، أي: لا يراه أحد في الدنيا، دون الآخرة.
ولا تعارض بين الآية الأولى التي تخبر برؤية المؤمنين لربهم عز وجل في الجنة، والآية الثانية التي تعني استحالة رؤية الله سبحانه وتعالى في الدنيا (١) .
ويفند الإمام أحمد دعوى الجهمية في نفي الصفات عن الله تعالى، ويوضح لنا جذور المسألة، وعلة اتخاذهم لهذا الموقف، يذكر لنا ما بلغه من أمر الجهم وينسب نفيه الصفات الإلهية، فقد كان الجهم من أهل خراسان، صاحب خصومات وكلام، فلقي أناسًا من المشركين يقال لهم: السمنية (نسبة إلى سومنات بلدة بالهند وهم البوذية) فعرفوا الجهم، فناقشوه، مطالبين إياه بتقديم الحجة على صحة دينه. وسألوه:
ألست تزعم أن لك إلهًا؟ قال الجهم: نعم، فقالوا له فهل رأيت إلهك؟ قال، لا، قالوا - فهل سمعت كلامه؟
سألوه - هل رأى ربه أو سمعه، أو وجد له حسًا؟ ومضوا في هذه الأسئلة المشبهة لله عز وجل بصفات المخلوقين، فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يومًا، ثم استدرك حجة مثل حجة النصارى في زعمهم أن الروح الذي في عيسى هو روح الله، فاستدرك حجة مثل هذة الحجة فقال للسمني:
ألست تزعم أن فيك روحًا؟ قال: نعم، فقال هل رأيت روحك؟ واستمر في توجيه نفس الأسئلة وكان جواب السمني بالنفي، فظن أن هذا إفحام، إذ ختم أسئلته، بقوله:(فكذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان) .
ويرى الإمام أحمد أن الجهم يعتمد في حججه على ثلاث آيات من المتشابه. فيقول (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ)[الأنعام، الآية: ٣]