و (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ)[الأنعام، الآية: ١٠٣] ، فتأول القرآن على غير تأويله، وكذب أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله، كان كافرًا، وكان من المشبهة، وتبعه قوم منهم أصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة سألهم الناس عن قول الله:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أجابوا ليس كمثله شيء من الأشياء، وهو تحت الأرضين السبع، وكما هو على العرش، ولا يخلو منه مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، ولم يتكلم ولا يكلم، ولا ينظر إليه أحد في الدنيا، ولا في الآخرة، ولا يوصف، ولا يعرف، ولا يدرك بعقل، وهو وجه كله، وهو علم كله، وهو سمع كله، وهو بصر كله، وهو نور كله، وهو قدرة كله..
ويرى الإمام أحمد أن إلزامات مذهبهم تؤدي إلى أنهم لا يؤمنون بشيء - ويوجه إليهم بدوره الأسئلة لاستدراجهم للإقرار.
ويسألهم: من تعبدون؟ فإذا قالوا: إنهم يعبدون من يدبر أمر هذا الخلق، قيل لهم (هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة. قالوا: نعم فقلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تؤمنون بشيء، لأن هذا الذي يدبر هو الذي كلم موسى. قالوا: لا يتكلم ولا يكلم، لأن الكلام لا يكون إلا بجارحة والجوارح عن الله منفية. وهكذا يوهمون البعض بأنهم من أشد الناس تعظيمًا لله، بينما يعود قولهم إلى ضلالة وكفرا (١) .
ويمضي الإمام في بيان تفصيل ما جحدته الجهمية، شارحًا معاني الآيات القرآنية التي يستندون إليها، في الرؤية، وصفة الاستواء، وعلو الله تعالى على خلقه:
قالوا في تفسير الآية:(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة، الآية: ٢٢، ٢٣] ، إنما تنظر الثواب من ربها وصحتها أنها مع ما تنتظر الثواب ترى ربها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم سترون ربكم" ويؤيد ذلك في تفسير قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)[يونس، الآية: ٢٦] أن الزيادة هي النظر إلى وجه