من نفى أن يكون كلامه الذي أنزله على رسوله شيئًا، ولكنه في آية أخرى أخبرنا تعالى بأنه لا كالأشياء حتى لا يدخله الملحدون في جملة الأشياء، فأظهره باسم الكتاب والنور والهدى فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ) .
وإزاء إصرار قول بشر بأن القرآن شيء كالأشياء ليدعم عقيدته في خلق القرآن وطالب بإتيان الدليل بنص التنزيل، فاحتج بآيات كثيرة من القرآن كقوله تعالى:(إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[النحل، الآية: ٤٠] وقوله عز وجل (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فدل سبحانه وتعالى بهذا الإخبار وأشباه لها في القرآن كثير على أن كلامه ليس كالأشياء وأنه غير الأشياء وأنه خارج عن الأشياء وأنه يكوِّن الأشياء، ثم أنزل الله عز وجل خبرًا مفردًا ذكر فيه خلق الأشياء كلها، لم يدع منها شيئًا إلا ذكره وأخرج كلامه وأمره من جملة الخلق وفصله منها ليدل على أن كلامه غير الأشياء المخلوقة وخارج عنها فقال:(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[الأعراف، الآية: ٥٤] .
فجمع سبحانه وتعالى في قوله:(أَلَا لَهُ الْخَلْقُ) جميع ما خلق فلم يدع منه شيئًا ثم قال: (وَالْأَمْرُ) يعني والأمر الذي كان به الخلق خلقًا، ففرق بين خلقه وأمره فجعل الخلق خلقًا والأمر أمرًا، وجعل هذا غير هذا وقال:(وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)[القمر، الآية: ٥٠] وقال: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)[الروم، الآي: ٤] .
ومن هذه الآيات وآيات أخرى سردها عبد العزيز المكي حتى طلب منه المأمون الاختصار، فأوضح بعد ذلك أن الله تعالى قد أخبر عن خلق السموات والأرض وما بينهما فلم يدع شيئًا من الخلق إلا ذكره فأخبر عن خلقه أنه ما خلقه إلا بالحق، وأن الحق قوله وكلامه الذي به خلق الخلق كله، وأنه غير الخلق وأنه خارج عن الخلق، وغير داخل في الخلق وهذا نص التنزيل (١) .
ولكن بشر لم يوافقه على هذا الذي ذهب إليه، ورأى أن عبد العزيز جاء