وذهب المأمون بعد ذلك إلى ما هو أدق من هذه القضية في الفهم والنظر، فسأل عبد العزيز:(فتقول: إن الله سميع بصير؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فتقول: إن لله سمعًا وبصراً؟ قلت: لا يا أمير المومنين) .
وكان عبد العزيز واعيًا لإجاباته مدعمًا عقيدته بالمنهج الثابت المنقول عن السلف الصالح وما فهمه المسلمون قبله، فقال:
(يا أمير المومنين، قد قدمت إليك فيما احتججت به أن على الناس جميعًا أن يثبتوا ما أثبت الله، وينفوا ما نفى الله، ويمسكوا عما أمسك الله عنه، فأخبرنا الله عز وجل أن له علمًا، فقلت: إن له علمًا، كما أخبر وأخبرنا أنه عالم بقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)[التغابن، الآية: ١٨] فقلت: إنه عالم كما أخبرنا إنه سميع بصير، فقلت إنه سميع بصير كما أخبر في كتابه، ولم يخبر أن له سمعًا ولا بصر) .
فقال المأمون لبشر وأصحابه:(ما هو بمشبه فلا تكذبوا عليه)(١) . وهنا أراد بشر إحراج عبد العزيز فسأله:(قد زعمت يا عبد العزيز أن لله علمًا، فأي شيء هو علم الله؟ وما معنى علم الله؟) .
وأجاب عبد العزيز بشيء من التفصيل، مستشهدًا بآيات من القرآن الكريم فقال:(هذا مما تفرد الله بعلمه ومعرفته، فلم يخبر به ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلاً، بل احتجبه عن الخلق جميعهم فلم يعلمه أحد قبلي ولن يعلمه أحد بعدي، لأن علمه أكثر وأعظم من أن يعلمه أحد من خلقه) .