عنه، أهو كما يقول:(استوى فلان على السرير) فيكون السرير قد حوى فلانًا وحده إذا كان عليه؟ ويلزم من ذلك القول أن العرش قد حوى الله وحده إذا كان عليه، لأنا لا نعقل الشيء إلا هكذا.
ويوضح عبد العزيز المكي إجابته على هذا التساؤل، فيؤكد أولاً أن الله تعالى لا يجرى عليه كيف، فلا مجال إذن للتساؤل (كيف استوى؟) فقد أخبرنا بأنه استوى على العرش ولم يخبرنا كيف استوى، إذ لم تره العيون في الدنيا فتصفه بما رأت، وحرم عليهم أن يقولوا عليه ما لا يعلمون فآمنوا بخبره عن الاستواء، ثم ردوا علم كيف استوى إلى الله تعالى.
بقي بعد هذه الإجابة أن يلزم الجهمي بإلزامين يستخرجهما من وصفه لله تعالى بأنه في كل مكان، أولهما فقد زعم أن الله تعالى محدود وقد حوته الأماكن، لأنه لا يعقل شيء في مكان إلا والمكان قد حواه، ويلزمه ثانيًا تقليد النصارى في الاعتقاد بأن الله عز وجل في عيسى وعيسى بدن إنسان واحد، فكفروا بذلك، ولكن قول الجهمية أشنع إذ يلزمهم القول أنه في أبدان الناس كلهم، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
وفي ختام المحاورة يضطر المريسي إلى الوقوع في التناقض إذ يصف الله عز وجل بأنه في كل مكان، لا كالشيء في الشيء ولا كالشيء على الشيء، ولا كالشيء خارجًا عن الشيء، ولا مباينًا للشيء. ويسخر المكي من هذا الاعتقاد، لأن المريسى يدعي أنه يستند إلى القياس والمعقول، ولكنه دل بالقياس والمعقول على أنه لا يعبد شيئًا، لأن ما لا يكون داخلاً في الشيء ولا خارجًا منه فإنه لا يكون شيئًا، وأن ذلك صفة لمعدومٍ لا وجود له (١) .
وتلقف ابن تيمية بقراءاته المتشعبة مثل هذا الدليل العقلي، وزاده إيضاحًا، فبين أولا أن الألفاظ التي لم تنطق الرسل فيها بنفي ولا إثبات كلفظ الجهة والحيز ونحو ذلك لا يطلق نفيًا ولا إثباتًا إلا بعد بيان المراد، ثم أحصى الأدلة المستمدة من القرآن والسنة فرآها تقارب ألفًا، مع تطابق الأنبياء كلهم على أن الله سبحانه وتعالى في العلو.
(١) ابن تيمية: مجموعة فتاوى ج ٥ ص ٣١٦ - ٣١٧ ط السعودية.