للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن الفكرة الشائعة عن الغلو في التمسك بالنصوص، فسنحاول توضيحها في الصفحات القادمة، عندما ندرس آراء ابن كلاب والأشعري في ضوء مؤلفات لعلماء الحديث والسنة تتضمن المنهج العقلي حيث برهنوا به على أن طريقة المتكلمين لم تخل من ثغرات كبيرة لا يمكن سدها إلا بالتأويل الصحيح لنصوص التنزيل.

وبذلك فإن وصفهم بـ (النصيين) لا ينطبق بالمعنى الحرفي عليهم، وإذا كانت طريقتهم مبنية على تفضيل أدلة الشرع فإنهم ما فعلوا ذلك إلا بناء على فهمهم لتفسيرها الصحيح، ومعرفتهم لأساليب اللغة وأسرارها وأسباب النزول، واستدلالات الأوائل بها. ولذلك مضى علماء السنة يستدلون بآيات القرآن والأحاديث بناء على إدراكهم العميق لها وامتلاكهم لنواصي منهج البحث العلمي كاملا في قضايا أمور الدين وأصوله مما جعلهم فرسانًا في هذا الميدان لا يجاريهم فيه أحد؟ فلم يقتصروا على ظاهر النصوص كالظاهرية مثلاً.

وللتعريف بهم وبمنهجهم في البحث العلمي نورد طرفًا من وصف إمام الحرمين مع أبي الحسن الكرجي (٥٣٢ هـ) لهم ووصف قدراتهم وعلومهم وأسباب تفضيلهم على غيرهم (١) ، قال: لأنهم أجمع لشرائط (القدوة والإمامة من غيرهم وأكثر لتحصيل أسبابها وأدواتها مع جودة الحفظ والبصيرة، والفطنة والمعرفة بالكتاب والسنة، والإجماع والسند والرجال والأحوال، ولغات العرب ومواضعها والتاريخ والناسخ والمنسوخ، والمنقول والمعقول، والصحيح والمدخول في الصدق والصلابة، وظهور الأمانة والديانة ممن سواهم) وإذا فرض ولم يستكمل أحدهم هذه الشرائط جميعًا جبر تقصيره قرب عصره من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، باينوا هؤلاء بهذا المعنى من سواهم فإن غيرهم من الأئمة - وإن كانوا في منصب الإمامة - لكن أخلوا ببعض ما أشرت إليه مجملاً من شرائطها (٢) .


(١) ويقصد بهم أئمة أهل السنة في أنحاء العالم الإسلامي كالشافعي ومالك والثوري والبخاري وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك والأوزاعي والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه وغيرهم.
(٢) ابن تيمية: نقض المنطق ص ١٤٣ - ١٤٤ نقلاً عن شيخ الحرمين أبي الحسن الكرجي (٥٣٢ هـ) بكتابه (في الأصول عن الأئمة الفحول) .
=

<<  <   >  >>