للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضرر للبعض بسقوط منزله أو انقطاعه عن سفره أو تعطيل معيشته. ويرسل الرسل رحمة وحكمة وإن كان في ضمن ذلك أذى قومه وسقوط رياستهم. فإذا قدر على الكافر كفره قدره لما في ذلك من الحكمة والمصلحة العامة، وعاقبه لاستحقاقه ذلك بفعله الاختياري، ولما في عقوبته من الحكمة والمصلحة العامة (١) .

وهناك عاملان آخران يسهمان في سوء الفهم والخلط في هذه المسألة أحدهما - قياس أفعال الله تعالى على أفعالنا وهو خطأ ظاهر. ولزيادة إيضاح ذلك فإن السيد يأمر عبده بأمر لحاجته إليه ولغرضه، فإذا أثابه على ذلك كان من باب المعاوضة، إنما أمرهم بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم أمر إرشاد وتعليم، فإن أعانهم فعل المأمور فقد تمت نعمته، وإن خذل ولم يعن العبد حتى فعل الذنب كان له في ذلك حكمة أخرى، وأن كانت مستلزمة. وتألم هذا فإنما يألم بأفعاله التي من شأنها أن تورثه نعيمًا أو عذابًا، وإن ذلك الإيراث بقضاء الله وقدره، فلا منافاة بين هذا وهذا.

العامل الثاني - موقف الناس من حكمة الله تعالى الكلية، فليس على الناس معرفتها وقد تكون فوق مداركهم القاصرة المخلوقة، ويكفيهم التسليم لمن قد عرفوا وآمنوا بحكمة الله تعالى ورحمته وقدرته. فمن المعلوم ما لو علمه كثير من الناس لضرهم علمه، فحكمه سبحانه أكبر من العقول، لذلك قال تعالى: (لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) [المائدة، الآية: ١٠١] .

ختام ذلك كله في كلمات قليلة ولكنها تلخص المسألة وتشرحها بما فيه الكفاية.

قال ابن تيمية: (وهذه المسألة مسألة غايات أفعال الله تعالى ونهاية حكمته، ولعلها أجل المسائل الإلهية، وما ضلت القدرية إلا من قياس الله بخلقه في عدلهم وظلمهم، كما ضلت الجبرية الذين لا يجعلون لأفعال الله حكمة، ولا ينزهونه عن ظلم، ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه) (٢) .


(١) ابن تيمية: منهاج السنة ج ١ ص ٢٧١ - ٢٧٢.
(٢) نفس المصدر السابق.

<<  <   >  >>