للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا؟ كما تستحيل العذرة رمادًا والخنزير وغيره ملحاً ونحو ذلك.

والأطباء كذلك يقررون بأن المني الذي في الرحم يقلبه الله تعالى علقة ثم مضغة، وهذا التحول يسري على بني أدم.

أما آدم عليه السلام فقد خلق من طين، فقلب الله - سبحانه وتعالى - حقيقة الطين فجعلها عظمًا ولحمًا وغير ذلك من أجزاء البدن، والمضغة أيضًا يقلبها عظامًا وغير عظام. قال الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) [المؤمنون، الآية: ١٢ - ١٦] .

وكذلك الثمر يخلق بقلب المادة التي يخرجها من الشجر من الرطوبة مع الهواء والماء الذي سقيت به أو نزل عليها وغير ذلك من المواد التي يقلبها ثمرة بمشيئته وقدرته، والحبة أيضًا يفلقها وتتقلب المواد التي يخلقها منها سنبلة وشجرة وغير ذلك.

وكذلك النار يخلقها بقلب بعض أجزاء الزناد نارًا كما قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا) [يس: ٨٠] .

ويجمع ابن تيمية هذه الأمثلة لما يربط بينها من حقيقة التحول الخاضعة للمشاهدة والتجربة، فيقول: (نفس تلك الأجزاء خرجت من الشجر الأخضر، جعلها الله نارًا من غير أن يكون في الشجر الأخضر نارًا أصلاً، كما لم يكن في الشجر ثمر أصلاً، ولا كان في بطن المرأة جنين أصلاً بل خلق هذا الموجود من مادة غيره، بقلبه تلك المادة إلى هذا، وبما ضمه إلى هذا من مواد أخرى) (١) .


(١) ابن تيمية: تفسير سورة الإخلاص ٢٥.
ويختار شيخ الإسلام بين الأقوال المختلفة في الجوهر الفرد أن الجسم يقبل القسمة إلى غاية، من غير إثبات الجوهر الفرد، مدللاً على ذلك بأن الجسم - كالماء مثلا - يقبل انقسامات متناهية إلى أن تتصاغر أجزاؤه، فإذا تصاغرت استحالت إلى جسم آخر، لا يبقى ما ينقسم إلى غير غاية، بل يستحيل عند تصاغره، فلا يقبل الانقسام بالفعل مع كونه فى نفسه يتميز منه شيء عن شيء، وليس كل ما تميز منه شيء عن شيء لزم أن يقبل
=

<<  <   >  >>