للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويرى شيخ الإسلام أن عقيدة السلف وما أجمع عليه العقلاء وما اتفق عليه الأطباء أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال، ويؤيد هذا الأطباء بصفة خاصة في تناولهم لخلق الإنسان وأطوار نموه، فالله تعالى يقلبه ويجعله من جسم إلى جسم. وأيضًا فإن معنى الإعادة يدل على أن الله سبحانه وتعالى يعيد الجسم بعد أن يبلى (ولهذا يقال: هو مثله، ويقال: هذا هو هذا، فإن فعل مثل غيره، لا يقال: أعاده، وإنما يقال: حاكاه وشابهه، بخلاف ما إذا فعل ثانيًا مثل ما فعل أولاً، فإنه يقال: أعاد فعله) ، مثلما هُدم بيت ثم أعيد بناؤه.

وبعبارة أخرى، فإن الله عز وجل يعيد الخلق بعدما استحالت الأجسام إلى غيرها، فيعيدها من تلك الأجزاء التي انقلبت واستحالت إليها، والنشأة الأولى خلقة فساد وفناء وملاءمة للحياة الدنيا وطبيعتها الفانية بينما الثانية للبقاء فهما يتشابهان من وجه ويتنوعان من وجه آخر، فباعتبار اتفاق المبدأ والمعاد فهو هو، وباعتبار ما بين النشأتين من الفرق فهو مثله.

فلابد إذن من الاستناد إلى الحقيقة القرآنية الممثلة في خلق الله، منها قوله تعالى: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) [مريم، الآية: ٦٧] وهو أمر للإنسان بأن يتذكر خلقه من نطفة، فإذا ما فسر الإنسان المخلوق في ضوء نظرية الجواهر الفردة، فإن جواهر الإنسان عندهم ما زالت باقية وحدث لها الأعراض، ومعلوم أن تلك الأعراض وحدها ليست هي الإنسان، فإن الإنسان مأمور، منهي، حي، عليم، قدير، متكلم، سميع، بصير، موصوف بالحركة والسكون، وهذه صفات الجواهر، والعرض لا يوصف بشيء لا سيما وهم يقولون العرض لا


=
الانقسام بالفعل، بل قد يضعف عن ذلك ولا يقبل البقاء مع فرط تصاغر الأجزاء، لكن يستحيل، إذ الجسم الموجود لابد له من قدر ما ولا بد له من صفة ما فإذا ضعفت قدرته على اتصافه بتلك الصفة انضم إلى غيره، إما مع ما استحالته إن كان ذلك من غير جنسه وإما بدون الاستحالة إن كان من جنسه كالقطرة الصغيرة - من الماء - إذا صغرت جدًا لا بدّ أن تستحيل هواء أو ترابًا أو تنضم إلى ماء آخر (كتاب الصفدية ص ١١٨) .

<<  <   >  >>