كذلك في مناقشاته مع المتكلمين، عارض الألفاظ والاصطلاحات التي استخدمها علماء الكلام لأنها لا تعطي مدلولات إسلامية صحيحة، ولكنه لم يعارض استخدام الأدلة العقلية، بل ذهب إلى خطأ القول بأن الأدلة الواردة بالكتاب والسنة مجرد أدلة نقلية، فذهب إلى أنها عقلية أيضًا - أي أن العقول تجيزها فتزنها مستندة لآيات القرآن المنوهة بشأن العقل كقوله تعالى:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى)[طه، الآية: ١٢٨] أي العقول وقوله عز وجل: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)[الفجر، الآية: ٥] لذي عقل وقوله عز وجل: (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة، الآية: ١٩٧] وقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ)[الأنفال، الآية: ٢٢] فإن الله سبحانه وتعالى مدح وأثنى على ذوي العقول وبالعكس ذم غيرهم ممن لا يسمع أو يعقل في قوله تعالى عن أهل النار: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[الملك، الآية: ١٠](١) .
[وسيأتي بيان ذلك كله عند حديثنا عن طرق القرآن] .
الواجب إذن أن يجعل ما أنزل الله من الكتاب والحكمة أصلاً في جميع أصول الدين فإن القرآن جعله الله تعالى شفاء لما في الصدور.
ومن هنا عارض كافة البدع التي يعارض بها الكتاب والسنة التي يسميها أهلها كلاميات وعقليات وفلسفات أو ذوقيات ووجدانات وحقائق وغير ذلك لأنها لا بد أن تشتمل على لبس حق بباطل وكتمان حق.
ويعلل ابن تيمية ظهور البدع الكلامية والصوفية والفلسفية بسببين أحدهما ذاتي والآخر خارجي:
الأول: ابتداع ألفاظ ومعاني جعلوها هي الأصل المعقول المحكم وساروا في طريق التأويل تبعاً لما اعتقدوه صحيحًا وفقًا لأحكامهم العقلية.
الخارجي: وموجزه: أنه قد تخفى آثار الرسالة في بعض الأمكنة والأزمنة؟ حتى لا يعرفون ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإما أن لا يعرفوا اللفظ وإما أن يعرفوا