قال شيخ الإسلام في هذا الصدد:(ومن تأمل ما تكلم به الأولون والآخرون في أصول الدين والعلوم الإلهية وأمور المعاد والنبوات والأخلاق والسياسات والعبادات وسائر ما فيه كمال النفوس وصلاحها وسعادتها ونجاتها، لم يجد عند الأولين والآخرين من أهل النبوات ومن أهل الرأي كالمتفلسفة وغيرهم إلا بعض ما جاء به القرآن.
ولهذا لم تحتج الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر وكتاب آخر، فضلاً عن أن تحتاج إلى شيء لا يستقل بنفسه بل بغيره، سواء كان من علم المحدثين والملهمين، أو من أرباب النظر والقياس الذين لا يعتصمون مع ذلك بكتاب منزل من السماء) (١) .
وسنعرض فيما يلي بالترتيب لتفاصيل منهج شيخ الإسلام الذي برهن به على ضرورة الاكتفاء بطرق القرآن وأدلته العقلية اليقينية المتفقة مع الفطرة الإنسانية.
وكانت عناية الشيخ الفائقة متجهة إلى هدم المنطق الأرسططاليسي واستبعاده ونقض حدوده وقضاياه كما سيأتي.
وكان يحاول أيضًا التقريب بين وجهات النظر، ما دامت الأصول المتفق عليها واحدة، إذ بالرغم من الخصومات العنيفة الحادثة بين الفرق والمذاهب في عصر شيخ الإسلام، فإنه حاول التقريب بين الاتجاهات المتقاربة إذ وجد مواضيع الالتقاء كثيرة، وأظهر الاتفاق في الأصول وأغضى عن الخلافات في دقائق المسائل التي تخفى على الكثير فإن الكلام في مسألة الكلام حير عقول أكثر الأنام ودوافعه في ذلك أن الله تعالى أمرنا بالجماعة والائتلاف ونهانا عن الفرقة والاختلاف، فقال لنا في القرآن:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آل عمران: ١٠٣] .