للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله به من الاعتبار في كتابه يتناول قياس الطرد وقياس العكس، قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء، الآية: ١٠٥] وقال سبحانه: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء، الآية: ١٢٣] فإنه لما أهلك المكذبين للرسل بتكذيبهم، كان من الاعتبار أن يعلم أن من فعل مثل ما فعلوا أصابه مثل ما أصابهم فيبقى تكذيب الرسل سببًا للعقوبة، وهذا قياس الطرد. كما يعلم أن من لم يكذب الرسل لا يصيبه ذلك، وهذا قياس العكس، وهو المقصود من الاعتبار بالمكذبين والاعتبار يكون بهذا وبهذا، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [يوسف: ١١١] وقال: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا) إلى قوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [آل عمران: ١٣] (١) .

ولهذا المدلول يرى ابن تيمية أن كثرة الإشارة إلى قصة موسى - عليه السلام - وفرعون في القرآن الكريم يرجع إلى الاعتبار في كل مرة تذكر فيها. إنه ينكر فكرة (التكرار) في القرآن. لأن المقصود من إعادة القصة في سور وآيات متعددة هو توضيح عبرة جديدة لم يشر إليها في موضع آخر من الكتاب.

ومن هنا فليس في القرآن تكرار أصلا.

أما أهمية قصة موسى وفرعون فترجع إلى أنهما في طرفي نقيض في الحق والباطل فإن موسى عليه السلام بلغ الغاية القصوى من الإيمان وكلمه الله سبحانه تكليمًا بلا حجاب، بينما كفر فرعون بالربوبية وبالرسالة، وكان موقفه أشد إنكارًا من باقي المخالفين للرسل لأن أكثرهم لا يجحدون وجود الله (وربما يقصد هنا أنهم يشركون) كذلك لم يكن للرسل من التكليم لرب العالمين.

فصارت قصة موسى وفرعون أعظم القصص وأعظمها اعتباراً لأصل الإيمان ولأصل الكفر، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقص على - أمته عامة - عن بني إسرائيل، وكان يتأسى بموسى في أمور كثيرة، ولما بشر بقتل أبي جهل يوم بدر قال: (هذا فرعون هذه الأمة) (٢) .


(١) صون المنطق. ج ٢ ص ١٥٦.
(٢) فتاوى ابن تيمية: ج ١٢. ص ٩.

<<  <   >  >>