ويرى ابن تيمية أن الحقيقة المعتبرة في كل دليل هو (اللزوم) ، فمن عرف أن هذا لازم لهذا استدل بالملزوم على اللازم بغير ذكر لفظ اللازم ولا تصور معنى هذا اللفظ لأن الإنسان بفطرته السوية يعرف أن كل شيء مصنوع لا بد له من صانع وكثيرًا ما يستخدم الناس أمثال هذه القضية بقولهم:(إن كذا لابد له من كذا أو إنه إذا كان كذا كان كذا) وبغير استخدام لفظ (اللزوم) فإن الصياغة نفسها تتضمن العلم باللزوم باعتباره حقيقة معتبرة.
كذلك الأمر في المخلوقات، فان كل ما في الوجود فهو آية لله تعالى، مفتقر إليه محتاج إليه، لا بد له منه، فيلزم من وجوده وجود الصانع.
والآية القرآنية الآتية واضحة الدلالة على معنى اللزوم قال تعالى:(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)[الطور: ٣٥] وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم أنه لما قدم في فداء الأسرى عام بدر سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بسورة الطور قال فلما سمعت قوله تعالى:(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) أحسست بفؤادي يتصدع.
ولا شك أن للآية تقسيمًا حاصرًا بين أمرين لا ثالث لهما، فهل خلقوا من غير خالق خلقهم؟ فهذا ممتنع بالبداهة، أم خلقوا أنفسهم؟ فهذا أشد امتناعًا. فعلموا أن لهم خالقًا خلقهم، وهو سبحانه وتعالى.
ويمضى ابن تيمية في شرح الاستدلال العقلي في هذه الآية بقوله:(ذكر الدليل بصيغة استفهام الإنكاري ليبين أن هذه القضية التي استدل بها فطرية، بديهية، مستقرة في النفوس، لا يمكن إنكارها. فلا يمكن لصحيح الفطرة أن يدعي وجود حادث بدون محدث أحدثه، ولا يمكنه أن يقول هو أحدث نفسه)(١) .
النبوة:
استوعب ابن تيمية آراء السابقين عليه في موضوع النبوة والبرهنة عليها، وقد
(١) ابن تيمية - الرد على المنطقيين ص ٢٥٢، والسيوطي - صون المنطق ب ٢ ص ١٣٠ - ١٣١.