للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تدخل في المواد التي قرأها فأضاف إليها وعدل بعضها، لأنه لم يوافق على ما كتبه الرازي - وهو أقرب المتكلمين إليه زمنًا.

ويقوم برهانه على إثبات النبوة بعامة ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومجيئه بالقرآن عند أهل الأرض وتواتر معجزاته وأخباره. ويستدل أيضًا على نبوته بنسبه المنتمي إلى سلالة إبراهيم الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، فلم يأت نبي من بعد إبراهيم إلا من ذريته، وجعل له ابنين إسماعيل وإسحاق، وذكر في التوراة هذا وهذا وهو من قريش صفوة بني إبراهيم.

وأيضًا يستند إلى سيرته وآياته وأخلاقه وشريعته من حين ولد إلى أن بعث ومن حيث بعث إلى أن مات وبتدبر نسبه وبلده وأصله.

فإذا قارن بين تواتر أخبار الفلاسفة وأخبار الأنبياء، رجح أخبار الأنبياء كموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم لأن أنباءهم معلومة عند الناس من تواتر وجود أولئك فضلاً عن تواتر ما يخبرون به، ولهذا صار ظهور الأنبياء مما تؤرخ به الحوادث في العالم لظهور أمرهم عند الخاصة والعامة، فإن التاريخ يكون بالحادث المشهور الذي يشترك الناس فيه ليعرفوا به كم مضى قبله وبعده.

كما يفضلون من حيث أساليبهم في الإقناع والدعوة، فيأمرون البشر بما فيه صلاحهم وينهونهم عما فيه فسادهم، ولا يشغلونهم بالكلام في أسباب الكائنات كما يفعل الفلاسفة، فإن هذا الأسلوب كثير التعب قليل الفائدة أو موجب للضرر. ويضرب مثلاً على النبي بالطبيب الذي يأمر مريضه بتناول الدواء المفضي إلى علاجه، فيسترد صحته إذا استمع لنصحه، ولكن الفيلسوف يتجه باهتمامه إلى الحديث عن أسباب المرض وصفته وذمه وذم ما أوجبه ولو سأله المريض عن الدواء الشافي لعجز عن الإجابة.

وقد يثار التساؤل حول من لم تبلغهم الرسالات السماوية، أو من لم تقم عليه الحجة في الدنيا بالرسالة كالأطفال والمجانين وأهل الفترات الخالية من الأنبياء والرسل. وهنا، يختار من الأقوال أرجحها، وخلاصتها أن هؤلاء يمتحنون يوم القيامة فيبعث إليهم من يأمرهم بطاعته، فإن أطاعوه استحقوا الثواب وإن عصوه استحقوا العقاب، أما الحجة بالقرآن فقد قامت على من بلغه كما قال تعالى: (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)

<<  <   >  >>