للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كمال الفرد والجماعة، ويرى أن أهل أوروبا خدعوا بمظاهر التقدم في المعرفة والقوة فلم يفكروا في الخطر الذي يتعرضون له من جراء تضاؤل القيمة التي يعطونها للعناصر الروحية في بناء الحضارة، ومن ثم فإن إعادة بناء الحضارة على الوجه الصحيح يتطلب أولا: الأخذ من جديد بالنظرة الأخلاقية التي سادت في القرن الثامن عشر. ويتطلب ثانيًا: تكوين نظرية في الكون، فالواقع أن كل ما تقدم إنساني يتوقف

على التقدم في نظريته في الكون، وينبغي أن نهز الناس في هذا العصر وندفعهم إلى التفكير الأولي في حقيقة الإنسان ومكانته في هذا العالم فإن تصور العلم والحياة، وكذلك الأخلاق كلها أمور لا عقلية. ويجب أن يكون لدينا الشجاعة للاعتراف بذلك (١) .

ولشرح الغرض من ضرورة نظرية عن الكون للحضارة، سنعطي القارئ فكرة موجزة عن الأصل الذي تنبثق منه الأفكار الفلسفية والنظم الاجتماعية، فإن المتتبع للنظم والمبادئ الاجتماعية التي ظهرت في عصر العلم بأوروبا جعلت الاقتصاد أساسًا للمجتمع، والحق أن القاعدة الاقتصادية مجرد فرع من مبدأ عام في العقيدة من أصل الوجود، ثم يتفرع إلى استخلاص الأحكام والمبادئ اللازمة لصلاح المجتمع.

يقول الدكتور الفندي: (والعجب أيضًا، بل أعجب أن المادية في نظر أساطينها، مثل الماركسية، إنما تصل نهاية المطاف إلى ما وراء الطبيعة. أي لا يمكن أن تقتصر المادية على عالم المادة فحسب وإنما تنتهي إلى ما هو أكبر من ذلك عندما تتطرق إلى الحديث عن نظام الكون العام) (٢) .

وكثيرًا ما يحلل الفلاسفة معالم المادية الظاهرة الوضوح على الحضارة المعاصرة، ويفسرونها بغياب العقيدة الدينية وإنكار الجانب الروحي للإنسان، ويعالج هذا المبحث عادة بتحليل العلاقة بين العلم والدين.


(١) ألبرت أشفتيسر: فلسفة الحضارة ص ١٠٠ - ١١٥ ترجمة عبد الرحمن بدوي مراجعة د. زكي نجيب محمود، المؤسسة العامة للتأليف والترجمة والنشر ١٩٦٠.
(٢) د. محمد جمال الدين الفندي: الكون بين العلم والدين ص ١٤ ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سنة ١٩٧٢ م.

<<  <   >  >>