للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقف مندهشًا أمام السر في نجاح العلماء معللا إياه بالإلهام مقرراً في يقين (إن العاملين في العلم الجادين في عصرنا هذا المادي هم وحدهم الذين يتصفون بالتدين العميق) (١) .

ويقرر كارليل أن التقدم الهائل الذي أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو أحد الكوارث التي تعاني منها الإنسانية، ويعلل ذلك بأن قوانين العلاقات البشرية ما زالت غير معروفة، لأن علوم الاجتماع والاقتصاد والنفس علوم تخمينية افتراضية، على عكس ما ظنه الكثيرون عندما خدعوا في بعض المذاهب التي حازت شهرة في صفحات التاريخ وعلى ألسنة الناس، كمبادئ الثورة الفرنسية وخيالات ماركس ولينين (٢) .

ما هي النتيجة إذن بين التقدم الهائل في العلوم التجريبية وبين قصور العلوم الإنسانية عن اللحاق بها؟

يجيب الدكتور حسين مؤنس على هذا السؤال بقوله: (فإن الذين يفكرون في الدمار أنشط بكثير ممن يفكرون في البناء؟ فهناك من صنع القنبلة الذرية التي قتلت مائة ألف في ثوان وزاد عليه الذي صنع القنبلة الهيدروجينية التي تقتل المائتي ألف في ثوان، ثم جاء صاحب قنبلة النيوترون التي تشل أهل البلد الضخم وتصرعهم دون أن تؤذي العقارات والأشياء (٣) .

ويتبين من ذلك أن العلم التجريبي أقام مدنًا ومصانع وجامعات وعبَّد الطرق، وساهم في تسهيل المواصلات وتذليل عقبات لا تحصى في حياة الإنسان، ولكنه ساهم في الوقت نفسه في تعاسته للأسباب الآنفة. كذلك يرجع فشل العلوم الإنسانية في علاج الأزمات لكونها افتراضية تخمينية وليست تقريرًا لواقع وبرهانًا على حقائق، إذ لا تملك وسائل الإثبات وتنقصها دقة مناهج العلوم الأخرى في الهندسة والفيزيقا


(١) أدرين كوخ: آراء فلسفية في أزمة العصر ص ١١٢ ترجمة محمود محمود، الأنجلو سنة ١٩٦٣.
(٢) الكسيس كارليل: الإنسان ذلك المجهول ص ٤٤.
(٣) د. حسين مؤنس: الحضارة ص ١٣٦.

<<  <   >  >>