للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكيمياء والطب وغيرها من العلوم.

وهكذا أصبح العالم المتحضر منتفخًا بالإمكانيات ولكنه ضامر بالإرادات، أشياؤه كثيرة وأفكاره قليلة.

وهذا الوضع البائس المتناقض بين وفرة الأشياء وفراغ النفس أدخل البشرية في دوامة يصاب الإنسان فيها بالدوار (١) .

ولا نجد مبررًا للدفاع عن الجانب العلمي التكنولوجي بحجة وصول الإنسان إلى القمر إذ أن هذا النجاح يحمل في ذاته دلالة مفادها أن الصاروخ الذي يحمل مركبة الفضاء يستطيع إن يحمل قنابل ذات رؤوس نووية تصل إلى أي مكان في العالم فتهلك الحرث والنسل، قد تعود بالإنسان في طرفة عين إلى العصر الحجري من جديد.

ولكن ما معنى ذلك كله في ضوء البحث عن السعادة الحقيقية للإنسان على هذه الأرض، وما أثره على موقف المدافعين عن العقيدة الدينية في مواجهة المسحورين بالمخترعات العلمية لا سيما في العالم الإسلامي الذي يشعر بالفارق الضخم بينه وبين العالم الغربي؟

معناه أن منهج المعرفة الخاص بالكون قد هدى الله إليه الإنسان (أما منهج المعرفة الخاص بالإنسان نفسه، فإنه لما كان من العسير على الإنسان أن يعرف نفسه بنفسه فقد هداه الله إليه بالوحي في رسالات السماء) (٢) .

ومعناه أيضًا: أن ركني الحضارة الإنسانية بمعناها الصحيح لا بد أن تحقق الارتقاء أو التحسن المادي والمعنوي معًا.

ونحن نميل إلى الرأي الذي يغلب التحسن المعنوي على التحسن المادي، (لأن الغاية القصوى للتحسين هي شعور الإنسان بالأمان والاطمئنان والكفاية،


(١) د. خالص جلبي: الطب في محراب الإيمان ج ٢ ص ٢٩ ط مؤسسة الرسالة - بيروت ١٣٩١ هـ - ١٩٧١ م.
(٢) أنور الجندي: سقوط العلمانية ص ٧٤ - دأر الكتاب اللبناني - بيروت ١٣٩٣ هـ - ١٩٧٣ م.

<<  <   >  >>