للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا اختلفوا اقتتلوا (١) .

وكانت طرق استدلال الصحابة مستمدة من النظر في المخلوقات والتأمل في عجائب صنع الله تعالى وما يطرأ عليها من تغيرات على مدار الأزمنة، فأيقنوا أنها لا بد أنها مخلوقة من رب حكيم، أحسن كل شيء خلقه وأتقن صنع كل شيء. عن الحسن البصري قال: (كانوا - يعني الصحابة - يقولون: الحمد لله الرب الرفيق الذي لو جعل هذا الخلق خلقًا دائمًا لا ينصرف لقال الشاك في الله: لو كان لهذا الخلق رب لحادثه (٢) وإن الله قد حادثه بما ترون من الآيات: إنه جاء بضوء طبق ما بين الخافقين، وجعل فيها معاشا وسراجا وهاجا، ثم إذا شاء ذهب بذلك الخلق وجاء بظلمة طبقت ما بين الخافقين وجعل فيها سكنًا ونجومًا وقمرًا منيرًا، وإذا شاء بني بناء جعل فيه من المطر والبرق والرعد ما شاء وإذا شاء صرف ذلك وإذا شاء جاء ببرد يقرقف الناس (من القرقفة أي: الرعدة) ، وإذا شاء ذهب بذلك وجاء بحر يأخذ بأنفاس الناس، ليعلم الناس أن لهذا الخلق رباً يحادثه بما يرون من الآيات، كذلك إذا شاء ذهب بالدنيا وجاء بالآخرة.

وترى الصحابة - طبقًا لهذا الاستدلال - قد سلكوا الطريق الفطري المطابق لطريق البرهان العقلي في إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، وأنه خالق كل شيء وهو سبحانه المحدث الفاعل بمشيئته وقدرته، ولم يفعلوا كما فعل بعض فلاسفة اليونان عندما فسروا صدور الكون بأنه معلول يقارن علته (فإن ذلك يمتنع محادثته أي: إحداث الحوادث فيه) (٣) .

من هذا يتبين أيضًا أن أدلة الشرع أدلة عقلية، فقد فطر الله تعالى عباده على معرفة الحق وقد بعث الرسل - كما يصفهم ابن تيمية - بتكميل الفطرة قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت، الآية: ٥٣]


(١) الشاطبي: الاعتصام ج ٢ ص ١٠٧ ط دار الشعب.
(٢) حادثه أي جدد وجوده فهو (حادث) ويتعدى بالألف فيقال: (أحدثه) .
(٣) ابن تيمية - جامع الرسائل- المجموعة الأولى ص ١٣٩ تحقيق محمد رشاد سالم ١٣٨٩ هـ /١٩٦٩ م ط المدني بالقاهرة.

<<  <   >  >>