للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتفسيرها (أنه سبحانه أخبر أنه سيريهم الآيات الأفقية والنفسية المبينة، لأن القرآن الذي أخبر به عباده حق، فتتطابق الدلالة البرهانية العيانية ويتصادق موجب الشرع المنقول والنظر المعقول) (١) .

والتفسير العقلي أيضًا يبرهن على تجاوبهم الكامل مع العقيدة التي تغلغلت إلى نفوسهم فإن الدارس لأحوالهم وسلوكهم خلال سنوات الأزمات والجهاد الشاق على النفس وعلى الهوى وفي مواجهة الأهل والأصحاب والعادات المألوفة والعقائد الوثنية الباطلة بعد أن تلقوها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بعد كل هذا يمكن وصفهم بأنهم الأعلم والأحكم من كل من جاء بعدهم.

ونكتفي بواقعة واحدة للمقارنة، تلك هي موقعة تبوك حيث بلغت بهم الشدة مبلغها.

يقول ابن كثير: (ومن هنا تتبين فضيلة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر أصحاب الأنبياء في صبرهم وعدم تعنتهم كما كانوا معه في أسفاره وغزواته منها عام تبوك في ذلك القيظ والحر الشديد والجهد لم يسألوا خرق عادة ولا إيجاد أمر مع أن ذلك كان سهلاً على الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم فجاء قدر مبرك الشاة فدعَا فيه وأمرهم فملأوا كل وعاء معهم. وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل الله تعالى فجاءت سحابة فأمطرتهم، فشربوا وسقوا الإبل وملأوا أسقيتهم ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر فهذا هو الأكمل في الاتباع أي: المشي مع قدر الله مع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم) (٢) .

وهل نتصور أن أهل العصور التالية كانوا أكثر فهمًا للدين وأصوله من الصحابة؟ أو أنهم أفقه وأورع منهم؟ إن ذلك يعد قلبًا للأوضاع وتبديلاً لموازين القياس الصحيح، إذ سجل لنا التاريخ فضائل أعمال الجيل الأول بمثاليتهم في الفهم والتطبيق فلم يشغلهم عن الجهاد؛ والأعمال الصالحة تنطوي في ذاتها على عمق الإدراك والوعي بالرسالة والتحرك بها فانصرفوا عن الجدال واهتموا بالأعمال، ولكن الأوضاع


(١) منهاج السنة ج ١ ص ٨٢.
(٢) ابن كثير: التفسير ج ١ ص ١٣٩ ط الشعب.

<<  <   >  >>