ليست إذن عقيدة وحدة الوجود من تعليم القرآن، فإن القرآن يبين المغايرة التامة بين الخلق والمخلوق أو العابد أو المعبود، ولكن امتد أثر هذه الفلسفة مع الأيام فأحدثت آثارًا هائلة في تغيير مفاهيم إسلامية أخرى، ويضرب إقبال مثلا على ذلك بالجهاد كشعيرة يراها الإسلام من ضرورات الحياة، ويلفت النظر إلى هذه الرباعية، التي ترنم بها الصوفية ودندنوا حول ما سموه (العشق الإلهي) حيث استخدموا اللغة الرمزية في مثل قول أحدهم:
(يسلك الغازي كل سبيل من أجل الشهادة، ولا يدري أن شهيد العشق أفضل منه كيف يستوي هذا وذاك يوم القيامة، هذا قتيل العدو وذاك قتيل الحبيب) ولكنه يعلق على ذلك بقوله: (وهذا جميل في الشعر ولكنه خدعة لإبطال الجهاد) .
فلا نعجب إذن من الظاهرة التي تتضح في شعر إقبال كما لاحظ النقاد، فالأمل يظهر في شعر إقبال كله، فهو باعث الحياة، والجهاد الدائب في رأيه هو المحافظة على هذه الحياة. وإن قارئ إقبال ليروعه إعظامه الأمل، وتصويره إياه، وإشادته بالعمل الدائب، والجهد المستمر، بل يرى إقبال أن الجهاد في سبيل المقصد أعظم لذة من بلوغه، فيقول:(طوبى لمن لا يزال في أثر المحمل أي لذة في الاضطراب دون وصول) ؟ وإذا كانت فلسفة وحدة الوجود قد انتقلت حقًا إلى الغرب ونراها بوضوح عند الفيلسوف الهولندي الإسرائيلي اسبينوزا إلا أن الذي أنقذهم منها رغبتهم في العمل، فلم يلبث طويلا لطلسم وحدة الوجود أن انحسر في الغرب، فقد تبين بأدلة رياضية سبق الألمان إلى إثبات حقيقة (الأنا) الإنسانية المستقلة، ثم تحرر من هذا الطلسم الخيالي فلاسفة الغرب على مر الزمان ولا سيما فلاسفة الإنجليز الحسيين التجريبيين.
ويفسر لنا سبب عزوفه عن التصوف ووحدة الوجود أمام حملة النقد التي وجهت إليه فيقول في رسالة سنة ١٩١٥:(إني بفطرتي وتربيتي أنزع إلى التصوف وقد زادتني فلسفة أوروبا نزوعًا إليه، فإن فلسفة أوروبا في جملتها تتوجه إلى وحدة الوجود، ولكن تدبر القرآن المجيد، ومطالعة تاريج الإسلام بإمعان أشعراني بغلطي، ومن أجل القرآن عدلت عن أفكاري الأولى، وجاهدت ميلي الفطري، وحدت عن طريق آبائي) .
ويلخص منهجه في بيان القيمة الإيجابية في توجيه الإسلام لإنقاذ المسلمين من ضغط