للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محكًا لأثر الإيمان في النفوس والفهم الصحيح لعقائد الإسلام، فقد كشفت الردة عن (حقيقة التصور الإلهي في أذهان المسلمين وسلوكهم حين تحول إلى أعمال وحرب حتى لا يتمكن المرتدون من تشويه العقيدة، أو انتقاص المنهج، أو إدخال شيء من الجاهلية في الإسلام) (١) .

إن هذا الفهم الممتزج بالإيمان هو الدافع الحقيقي لجهاد الصحابة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتسابق للاستشهاد، ومع الصديق - رضي الله عنه - بعده.

ألا يحق لعلماء أهل السنة والجماعة سلوك طريقهم واعتبارهم الجيل المثالي في العقيدة والسلوك؟

ولن يدهشنا إذًا عندما نرى أحد علمائهم - وهو الدارمِيّ - يقول:

فلم يظهر جهم وأصحابه - وهم أول من قالوا بالجبر ونفوا الصفات الإلهية - في زمن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبار التابعين فيروى عنهم فيها أثر منصوص، مسمى ولو كانوا بين أظهرهم مظهرين آراءهم لقتلوا كما قتل علي - رضي الله عنه - الزنادقة - وهم أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي الذين قالوا بتأليه علي وظهروا في عصره، ولقتلوا كما قتل أهل الردة (٢) .

ويوضح لنا الدارمي - بهذا الرأي - كيف دارت عجلة التاريخ لتطبيق سننه في رقي الأمم وتدهورها، إذ عبرت الفلول المهزومة في الحضارات المغلوبة عن نفسها بنشر فلسفاتها ونظراتها للألوهية والكون والإنسان، أو إثارة المشكلات العقائدية التي كانت تعاني منها إبان أزماتها.

ومما أذهل عقول مؤرخي التاريخ وفلاسفته أن المسلمين قاموا بغزو بلاد ذات حضارات عريقة، فكان من المنتظر قياسًا على الغزوات المماثلة من قبل كغزوات الإسكندر الأكبر مثلا - حيث لم تجاوز أعماله مجال التعمير الحضاري بمظهرها المادي فقط - كان من المنتظر بقاء الأفكار الفلسفية والدينية للسكان الأصليين كما هي


(١) محمد حسن بريغش: ظاهرة الردة في المجتمع الإسلامي الأول ط مؤسسة الرسالة- بيروت.
(٢) عقائد السلف ص ٣٤٩.

<<  <   >  >>