للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن ما حدث نتيجة انتصار المسلمين لم يتوقع، لأنه اكتسح ما لاقاه في طريقه كالسيل الجارف، (فتغير كل شيء بين يوم وليلة. ولم يقتصر في هذه المرة على الواجهة السياسية والاقتصادية في المدن الكبرى فقط، وإنما تغلغل في الأعماق النفسية لهذه الشعوب جميعًا: فاللغات والأفكار والقانون والآمال والعادات وتصور العالم وعقيدة الألوهية، كل ذلك قد طرأ عليه تغيير جذري سريع) (١) .

والشواهد أكثر من أن يستدل بها في هذا الموضع وإلا اضطررنا إلى عرض حياة عشرات، بل مئات الصحابة رضوان الله عليهم ومنهم من فسر القرآن الكريم ومنهم من تفقه ومنهم من اختص بالإفتاء والاجتهاد والأمثلة كثيرة على مثل هذه التخصصات.

ولو مضينا في دراسة أنشطتهم العلمية لخرجنا بصورة كاملة عن حقيقة عقائدهم، إذ توصلوا إليها في كافة أوجه أصول الدين من عقيدة التوحيد إلى الصفات الإلهية إلى مسألة القضاء والقدر الإلهي، إلى الإنسان وحقيقته وغايته وأخلاقه، إلى المجتمع ومكوناته والحياة الإنسانية بكافة جوانبها، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل: (لقد حدثت أجناس الأعمال في عصر الصحابة) .

وقال الإمام أحمد: (أنه ما من مسألة إلا وقد تكلم فيها الصحابة أو في نظيرها فإنه لما فتحت البلاد وانتشر الإسلام حدثت جميع أجناس الأعمال فتكلموا فيها بالكتاب والسنة، وإنما تكلم بعضهم في مسائل قليلة) (٢) .

ويقصد بذلك أنهم أرسوا قواعد الحياة الإسلامية الحقيقية كلها.

هذه الحياة الكاملة التي تتناول العقيدة والعبادات والأخلاق في دائرة واحدة يعبرون عنها بحياتهم اليومية العادية والمعارك العسكرية والمعاملات التجارية والعلاقات الاجتماعية في الأخوة والصحبة والزواج والعتاق والمسرات والأحزان


(١) د. دراز: مدخل إلى القرآن الكريم ص ٥٤ ط دار القلم - الكويت ١٣٩١ هـ - ١٩٧١ م.
(٢) ابن تيمية: معارج الوصول إلى أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول ص ٤٣ ط المكتبة العلمية بالمدينة المنورة. والجنس: الضرب من كل شيء والجمع: (أجناس) وهو أعم من النوع.

<<  <   >  >>