للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم) ولهذا قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (إن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم أن يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها، واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا لا نعلم فعارضوا السنن برأيهم فإياكم وإياهم) . والآثار كثيرة تشير إلى ذم إيثار نظر العقل على آثار النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم جاء جهم بن صفوان وغيره فخالفوا السنن وعارضوها بعقولهم فاستعملوا قياسهم وآراءهم في رد الحديث.

٢- إن جميع ما قالوه مستمد من معنى قول الله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) ثم قال: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) ، فإنها صريحة في هذا الرأي الذي قررناه - فإن كل ما لم يجر على المعتاد في الفهم متشابه.

٣- اتخذوا من الشرع حجة قاطعة وحاكمًا أعلى، وظهرت هذه الحقيقة في عدة مواقف عقب انتقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومنها يوم السقيفة إذ قال بعض الأنصار: (منا أمير ومنكم أمير) فأتى الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الأئمة من قريش أذعنوا لطاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعبأوا برأي من رأى غير ذلك لعلمهم بأن الحق هو المقدم على آراء الرجال.

وفي حرب أبي بكر لمانعي الزكاة، قال له عمر رضي الله عنهما: كيف نقاتل وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءَهُمْ وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" فرد أبو بكر بقوله (إلا بحقها) ، فقال: الزكاة حق المال، مع أن الذين أشاروا عليه بترك قتالهم إنما أشاروا عليه بأمر مصلحي ظاهر تعضده مسائل شرعية، ولكن لم يقو عنده آراء الرجال إن تعارض مع الدليل الظاهر الخ.

ونفهم - من استقراء أقوالهم وسلوكهم في جميع أصول الدين - أنهم كانوا يتقيدون بهذا المنهج أي: تقديم الشرع على العقل، لا عن قصور في الفهم، ولكن لمعرفتهم بمكانة الشرع وضرورة تقديمه على الاستنباطات العقلية التي لا تستند إلى دليل.

<<  <   >  >>