١ - ففيما يتصل بمسائل الغيب كالكلام عن الميزان والصراط وعذاب القبر والميزان وأوصاف أهل الجنة وأوصاف أهل النار.
فلم ينكر أحد منهم ما جاء من ذلك بل أقروا وأذعنوا لكلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم يصادموه ولا عارضوه بأشكال، ولو كان شيء من ذلك لنقل إلينا كما نقل إلينا سائر سيرهم وما جرى بينهم من القضايا والمناظرات في الأحكام الشرعية، فلما لم ينقل إلينا شيء من ذلك دل على أنهم آمنوا به وأقروه، كما جاء من غير بحث عن الكيفيات لأمور الغيب.
ويذكر لنا الشاطبي في كتابه "الاعتصام" طريقة الصحابة إزاء هذه المسائل موضحًا على سبيل التفصيل الاتجاه الصحيح في تلقي الأخبار المنقولة عن صاحب الشرع - صلى الله عليه وسلم -:
- ففهموا وصف الصراط بأنه كحد السيف لأن العادة قد تخرق حتى يمكن المشي والاستقرار.
وفى مسألة الميزان فأثبتوا أن كيفيته تليق بالدار الآخرة، لأن الأعمال ليست كالأجسام التي توزن في دارنا، ولم يأت في النقل ما يعين أنه كميزاننا من كل وجه. مسألة عذاب القبر، فإن رد الروح إلى الميت وتعذيبه بغير أن يراه البشر أو يسمعونه أمر ثابت بالحديث.
والعقل يسلم بما نراه، فالميت يعالج سكرات الموت ويخبر بآلام لا مزيد عليها ولا نرى عليه من ذلك أثر، وكذلك أهل الأمراض المؤلمة.
ويلحق بها مسألة سؤال الملكين للميت وإقعاده في قبره، فإنه إنما يشكل إذا حكمنا المعتاد في حياتنا الدنيا، ولكنه من قبيل خرق العوائد التي لا تحيط بمعرفتها العقول. كإنطاق الجوارح شاهدة على صاحبها يوم القيامة، وقراءة الصحف لمن لم يقرأ قط.
رؤية الله عز وجل في الآخرة جائزة، إذ لا دليل في العقل يدل على أنه لا رؤية إلا على الوجه المعتاد عندنا.
كلام الباري تعالى إنما نفاه من نفاه وقوفًا مع الكلام الملازم للصوت