للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستنتج "شيخ الإسلام" من هذه الأحداث ظهور أمور ثلاثة هي: الرأي والكلام والتصوف (١) .

وأغلب الظن - من جهة أخرى - أن شيخنا قصد ترتيب ظهور الرأي ثم الكلام ثم التصوف بتسلسل زمني على أثر الترجمة خاصة وأنه يتكلم عن المأمون (٢١٨ هـ - ٨٣٣ م) الذي شجعها - والمعروف - كما يذكر صاحب الفهرس أن "خالد بن يزيد بن معاوية" (٨٥ هـ-٧٠٤ م) الذي كان يسمى حكيم آل مروان "هو أول من قام بالترجمة". يقول "ابن النديم": (كان فاضلاً في نفسه وله همة ومحبة للعلوم، خطر بباله الصنعة فأمر بإحضار مجموعة من فلاسفة اليونانيين.. وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني القبطي إلى العربي، وهذا أول نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة) (٢) .

ونستدل من تعيين الشيخ "السلفي" للمأمون دون غيره، أن هذا الخليفة اشتهر بالميل إلى التشيع والاعتزال، وفضلا عن مشكلة خلق القرآن التي ارتبطت في الأذهان فإن الباحث عن أسباب ذلك يجده دون كبير مشقة في كتب التاريخ التي تكاد تتحد في وصفها له.

يقول "ابن الأثير": (إنه كان شديد الميل إلى العلويين والإحسان إليهم) (٣) وذكر ابن كثير أن "المأمون" لما ابتدع التشيع والاعتزال فرح بذلك شيخه بشر المريسي (١١٨هـ - ٨٣٣ م) وكان من شيوخ الاعتزال (٤) .

ويضيف صاحب (تاريخ بغداد) (إنه كان إلى حد غير قليل تحت سلطان الفرس ووزرائهم) (٥) وكأن شيخ الإسلام حاول بذلك أن يثبت أن الترجمة أنتجت آثارها الكاملة في عصر المأمون - أي في وقت متأخر عن عصر الصحابة والتابعين للأسباب التي تذكرها المصادر السالف الإشارة إليها. أو بعبارة أخرى أنها وجدت


(١) ابن تيمية: كتاب السلوك ص ٣٥٨ ط الرياض.
(٢) ابن النديم: الفهرست ص ٣٣٨.
(٣) ابن الأثير: تاريخ الكامل ج ص ١٧٩
(٤) ابن كثير: البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٧٩
(٥) ابن الخطيب: تاريخ بغداد ج ٦ ص ٧٥.

<<  <   >  >>